شعار قسم مدونات

كيف يتعامل العقل العربي مع الله؟

blogs - pray
يفعلها الصغار و يقع فيها أيضاً الكبار…

ذهبت أنا وطفلي الصغير عمر إلى الحديقة العامة حتى يلعب قليلا، وأيضا حتى يحظى ببعض من أشعة شمس الصباح، تعرفون بالطبع أهمية تعريض صغاركم لأشعة الشمس في غير الأوقات الضارة.

وصلنا إلي مكاننا المعتاد حيث يحب عمر اللعب على الزحليقة، صعد عمر على السلم ثم نزل إلى الأرض سالكا الطريق الطبيعي، بينما أتابعه، وجدته توقف محاولا جاهدا الصعود من على القطعة البلاستيكية، كان ينزلق كلما حاول الصعود، استمر فى محاولاته حتى شعر بالصعوبة هنا بدأ فى الصراخ طالبا مني التدخل.

سألته عن مشكلته قال إنه يريد الصعود إلى أعلى اللعبة دون استخدام السلم، قمت تفقدت السلم لعل هناك ما يخفه فلم أجد شيئأ، هنا لا أعرف لماذا قلت له، "عمر الطريق من هنا لازم تستخدم السلم، اتبع الطريق الصحيح،لا يوجد إختصارات فى الحياة، وإن كان فلابد أن تصنعها أنت".

العقل العربي المعاصر يتعامل مع الله كما يتعامل الأطفال مع أبائهم، يطلبون السعادة بدون سعي، والنجاح دون إختبار.

فما كان منه إلا أن زاد إصراره و ما كان منى إلا تكرار قولي له، ثم زاد هو في إلحاحه عليّ، و ما كان مني إلا الإعراض عنه، واستمر هو فى دعائه لفينة من الوقت، هنا أحسست من إصراره أنه يريد أن أكون لعبته، هو يريد أن يلهو بي أنا.

سألت نفسي، -ولله المثل الأعلى- ألست تتعامل مع الله بنفس المنطق؟ أنت تدعوا الله بما لا تعمل من أجله، تريد منه سبحانه وتعالى أن يكسر لك القانون، وأن تنجح فى الحياة من دون عمل، أن تدخل الجنة بالدعاء فقط، أليس هذا ما يفعله كثيرون منا، كم انتصرنا على الاعداء بالدعاء على المنابر فقط! كم دعونا الله فى صلاة القيام بنصرة إخواننا فى فسلطين! فما كان إلا أن فتحنا القوس ثم أضفنا بغداد، سوريا…، إن لله فى هذا الكون سنن، و قد اتبع عز وجل سننه وألزم بها خلقه، فقد خلق السماوات والأرض في ستة أيام، و قدر فيها أقواتها فى أربعة.

لقد أرسل الله عز وجل رسله إلى خلقه ليبينوا لهم سبل الفلاح فى الدنيا والأخرة، إن الطريق واضح من هنا، لكن العقل العربي المعاصر يتعامل مع الله كما يتعامل الأطفال مع أبائهم، يطلبون السعادة بدون سعي، و النجاح دون إختبار.

إن إنعدام العدالة فى عاملنا العربي مع وجود صورة ذهنية حقيقة لصاحب نفوذ يستطيع أن يؤثر فى المعادلة فيعطيك ما لا تستحق على حساب من يستحق، كأمثال أناس تقلدوا وظائف بفضل محسوبياتهم لا أعمالهم، جعلنا نتعامل مع الله عز وجل بنفس المنطق الفاسد، إننا تربينا على أننا إن كان لدينا واسطة سوف نصل إلى ما نريد، تخيل نتعامل مع الله عز وجل على أنه واسطة بإمكانها أن تعدل لنا الشروط، هل هناك فى التعامل مع الله أفسد من هذا المنطق.

بعد كل هذا، نسأل لماذا لا يجاب لنا الدعاء، يقول الغزالي – رحمه الله – إن رياح العون قد تأتى لتساعد سائر فى الطريق على اللحاق بالركب، لكن أن تأتي لتحمل القاعد على اللحاق بهم فلا يحدث، إن هذا ما حدث مع رسول الله –صلى الله عليه و سلم–، يوم الهجرة وبدر، وأياما كثيرة من أيام المسلمين الأوائل، كان الأخذ بالأسباب على قدر الإستطاعة ثم الدعاء لجبر النواقص، من حسن ظنك بربك سبحانه وتعالي أن تدعوه بما تريد ثم تسلك الطريق الذي يريد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.