شعار قسم مدونات

الجماعات الدينية وآليات احتكار السلطة

مدونات - البرلمان

آلية اشتغال الجماعة المتدينة بوصفها موضوعاً خاصّا داخل المجتمع هي آلية شديدة التعقيد، وهي ما يمكن تسميته بسلطة الكنائس الخاصة بحسب عزمي بشارة. فليس الشأن الأخروي هو الحاضر بشكل مؤسطر، إذ إن العادات تأخذ شكل القداسة، وهذا ما يسميه ماكس فيبر بسلطة الماضي الأبدي: "إنها سلطة الماضي الأبدي، أي سلطة العادات المقدسة بقيمتها العريقة وبتعود الإنسان تعوداً راسخاً على احترامها، تلك هي "السلطة التقليدية" التي كان يمارسها النظام الأبوي أو الإقطاع في قديم الزمان" (فلوري، لوران: ماكس فيبر ص125).
 

ما يعني أن هذه الآلية في الاشتغال هي سبب وجود الجماعات الدينية بطريقة محددة، إذ تخدم السلطة الاجتماعية الأبوية، القبيلة والدولة. لأن من يحتكر المعرفة ويحتكر عمليات التقديس بشكليها الأخروي والدنيوي هو من يعمل على استقرار وحماية سيادة النظام السلطوي القائم على التراتبية.
 

إن احتكار الدين داخل أي مجتمع، ولاسيما إذا كان مجتمعاً منتمياً بكامله لدين واحد، يؤدي إلى عواقب وخيمة، هذه العواقب التي وصَّفها العقيد الموريتاني أعل ولد محمد فال في معرض رده على سؤال لمجلة المجلة حول عدم سماحه بتشكيل أحزاب إسلامية في موريتانيا بعد نجاح ثورته: "موريتانيا دولة مسلمة بنسبة مائة بالمائة وحتى أن مذهبنا واحد فكيف يمكن أن نسمح لمجموعة معينة بحمل لواء الإسلام دون بقية الشعب والتسمي به وكأن الآخرين غير مسلمين؟

نتيجة لزيادة وعي الأفراد والمجموعات، وبدء مطالبتها بالحقوق سينتجُ الصراعَ المزعزعَ للأمن الداخلي، وفي صورة من صور احتكار الدين ما يصل إليه هذا الاحتكار من جرأة حين يصل إلى الحديث بيقينية مطلقة عن مصائر الناس في الدار الآخرة.

ثم إن التحزب في العقيدة خطير جدا، وإذا ما سمحنا بأحزاب إسلامية نكون قد عرضنا وحدة وانسجام شعبنا للخطر ولأنه من المعروف أن الخلاف المبني على أساس ديني أو عقدي يكون دائما مصحوبا بشحنة عاطفية قابلة للانفجار في أية لحظة" (المجلة، لقاء مع العقيد الفال بعد تنازله عن السلطة، 23/3/2007م.).
 

وهذا المصير الذي وصَّفَه الفال نتيجة احتكار الدين بيد جماعة خاصة يؤكد عليه عزمي بشارة حين تريد جماعة ما احتكار فكرة ما لتسوس القطيع: "مع تآكل مؤسسات السلطة وبغياب التنظيم الجماهيري المتضامن من القاعدة إلى القمة بالإجماع الوطني وقيم التحرر تبـرز مظاهر تفتت اجتماعي خطير يتخذ غالباً شكل تسيب أمني يتحول فيه الجاني والمجني عليه في تجاوزات إلى أطراف متساوية في صراع تُحشد من أجل حسمه مصادر القوة الاجتماعية المتوفرة" (مقالة: لكي لا نتحوّل على قطيع من الغنم، موقع المسيرة العربية، 2002م.).
 

فنتيجة لزيادة وعي الأفراد والمجموعات، وبدء مطالبتها بالحقوق سينتجُ الصراعَ المزعزعَ للأمن الداخلي، وفي صورة من صور احتكار الدين ما يصل إليه هذا الاحتكار من جرأة حين يصل إلى الحديث بيقينية مطلقة عن مصائر الناس في الدار الآخرة: (الطائفة المنصورة/ الفرقة الناجية/ إلى غير ذلك)، لأن مثل هذه اليقينية لا تنتج إلا عن احتكار الدين لفئة دون بقية الفئات، ولا ينتج عنها إلا رفض هذه الفئة لأي آخر، فرداً كان أم مجموعة، بحكم أن الآخر ضد الدين/ ضد المقدّس.
 

غير أن شكلاً آخر من أشكال احتكار الدين يجيء على هيئة ممارسة فعلية (المخيمات الدعوية/ المجموعات الطائفية/ الحشد الشعبي/ حشد المريدين/ تبني فكر أحادي ومحاولة إيجاد مجتمع خاضع له بقوة السلاح/ إلى غير ذلك)، فالمخيم/ الجماعة/ الحشد الشعبي.. ليس أكثر من فكرة دولة دينية بانسجام ديني ومذهبي تام، وهي خاضعة للأمير/ الشيخ/ القائد/ زعيم الجماعة)، ليصبح استخدام هذه الجماعات لمفردة دالة على الجماعة الدينية دالاً قوياً على أن من يحتكر الدين داخل مجتمع متدين فإنه بذلك يحتكر السلطة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.