غير أن هذه الإعلانات عن القيم الإنسانية المشتركة ظلت تراوح مكانها ولم تجد طريقها للتطبيق على المستوى العالمي رغم تطبيقها الداخلي المتفاوت في بعض الدول. ومن المؤسف أن نجد أنفسنا اليوم وبعد سبعين سنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حالة توجس وترقب من المستقبل المجهول الذي يعيشه العالم مع تصاعد النزعة العنصرية الشعوبية المعادية للحقوق والحريات في المجتمعات الغربية التي تهدد جميع قيم التعايش المشترك وقيم التسامح والحقوق والحريات.
إن واقعنا اليوم يؤكد أن جميع القيم الإنسانية ستظل حبراً على ورق، قابلة للسقوط أمام أول اختبار تتناقض فيه المصالح الضيقة مع القيم الإنسانية المشتركة، وقد عكس الموقف الغربي المريب من ثورات الربيع العربي التي طالبت بالحرية والديمقراطية ومساندته المشؤومة للثورات المضادة ضربة قاصمة لمسيرة النضال الإنساني للتحرر من الاستبداد والفساد، وما يحدث في سوريا من تخاذل دولي مريب تجاه أبشع نظام ديكتاتوري عرفته المنطقة العربية، نظام أباد مئات الآلاف من أبناء شعبه وقام بتهجير الملايين أبرز شاهد على هشاشة القيم الإنسانية المشتركة.
وفي جميع الأحوال فإن مسيرة التاريخ لن تعود إلى الوراء، ولعل إرادة الله شاءت أن لاينال شرف الدفاع عن الحقوق والحريات من لا يستحق هذا الشرف، وعاجلاً أوآجلاً ستتحول هذه المواقف المشينة والمتخاذلة إلى وصمة عار في جبين جميع المتخاذلين، وحتماً سيذهب الزبد جفاءً وسيبقى ما ينفع الأرض والناس، ولكن الكارثة هو أن يأتي هذا الدرس بعد أن تدفع البشرية ضرائب قاسية مع استمرار تصاعد النزعات العنصرية الفاشية.
في جميع الأحوال فإن مسيرة التاريخ لن تعود إلى الوراء، ولعل إرادة الله شاءت أن لاينال شرف الدفاع عن الحقوق والحريات من لا يستحق هذا الشرف. |
إن الواجب القيمي يفرض اليوم على دعاة حقوق الإنسان والمناضلين والمفكرين الأحرار حشد جميع الطاقات والجهود في مواجهة التحديات التي تهدد القيم المشتركة، والضغط بكل الوسائل المتاحة لفرض آليات الحماية والمحاسبة وتفعيلها، وتجريم تسيس القضايا المتعلقة بالقيم الإنسانية والمقايضة بها في أسواق المصالح الضيقة.
إن حاجتنا اليوم إلى نظام تحكمه القيم الإنسانية المشتركة التي تحترم الخصوصيات الثقافية والدينية ولا تقبل مقايضة المصالح بالقيم حاجة حيوية وماسة؛ لنختصر المسافات نحو المستقبل قبل الانزلاق في أتون صراعات همجية قد تنتصر فيها قوى البغي والطغيان، ولكن حركة التاريخ كفيلة بإعادة عقارب الساعة للسير في الاتجاه الصحيح ولو بعد ضرائب باهظة يندى لها جبين الإنسانية.
إن نضالنا جميعاً من أجل نظام تحكمه قيم قوة الحق في مواجهة قيم حق القوة هو الكفيل بحماية البشرية من دفع تكلفة حماقات النزعات العنصرية والفاشية، التي تتصاعد اليوم وتغذيها الأجهزة المخابراتية للأنظمة الديكتاتورية التي تصنع جماعات العنف لتجعل منها شماعة للاستمرار في القمع، ولإخافة الرأي العام من الديمقراطية والحرية، ولتهيئة مناخات عالمية معادية للتغيير والقيم الإنسانية المشتركة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.