شعار قسم مدونات

وأين الله؟!

blogs - البكاء في الصلاة

جلستُ بجواره في سيارته وهو مضطرب متردد وكأن شيء يجول في خاطره يخشى أن يتحدث فيه وإذا به فجأة ينظر إليَّ قائلاً وأين الله؟! قلت له في السماء قال ليس عن هذا اتحدث؟! قلت له فماذا تقصد إذاً؟ قال أين الله من قتل النساء والأطفال؟ أين الله من قتل المسلمين في سوريا والعراق وفي اليمن وفي بورما؟ أين الله من بطش الظالمين بنا؟ أين الله من الأسرى والمعتقلين؟ أنا اسالك لأنني أخشى أن أفقد إيماني أسألك لأن ما يحدث قد فاق عقلي على الاستيعاب وفاق قدرتي على التحمل والصبر.

ثم بدأ يجهش بالبكاء ويردد قائلاً سامحني يا الله اغفر لي يا الله! فأربتُ على كتفيه أواسيه وأواسي نفسي قائلاً أخي وصديقي أن ما يحدث للمسلمين الأن في جميع بلدان العالم الإسلامي من بطشٍ وظلم وقتلٍ واعتداء على الأعراض وسلبٍ للأموال لا يغفل عنه الله تبارك وتعالى طرفة عين .ولكن لله عز وجل في كونه سُنن وقوانين من يأتي بحقها مسلماً كان أو كافراً تُكن له النصرة والغلبة ومن يتخلى عنها كانت له الهزيمة والمزلة .. 

أن لنهوض الأممِّ أسباب وللنصر عُدٌّة ماديةٌ وروحية، ومن تمام الإيمان بالله تبارك وتعالى أن نأخذ بهذه الأسباب وأن نراعي هذه السنن الكونية التي وضعها الله عز وجل لخلقه، فهل ترى المسلمين الأن يقيمون هذه السنن لتحقيق النصر؟ 

أخي وصديقي أن ما يحدث للأمه الإسلامية الأن ما هو إلا ابتلاء وتمحيص ليميز الله به الخبيث من الطيب وليعلم المسلمون المنخدعون بالشعارات الوطنية والحزبية والطائفية أن ما يحاك ضدهم من مؤامرات وحروب ما هي إلا صراعات دينية بحته تلون بالسياسة والمصطلحات الاقتصادية .
 

عندما تسأل أين الله مما يحدث للمسلمين وأين الله من الظالمين فإنه سبحانه وتعالى يقيناً لا يغفل عنهم ولا يغفل عن نصرة المظلومين، فإن كنت تسأل عنه تبارك وتعالى ليعينك على هلكة الظالم فالله موجود ونصره وعدله قائم لمن يحقق شروطهما

أخي وصديقي.. تأمل معي قول الله عز وجل في كتابه (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) ليتضح لك أن ما يحدث الأن للمسلمين هو سنة الله في كونه من تدافع الخير والشر والصراع الدائم بينهما منذ بدأ الخلق. فالشر المتمثل في الظلم يعطيه الله عز وجل الفرص تلو الأخرى ليكُفَ عن ظلمه وبطشه ولكن يظن الظالم أنه قد يستطيع أن ينجو بقوته وقدرته ويعتقد أن هذه الدنيا باقية له وينسى أن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته، قال تعالى (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُون وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ

أخي وصديقي ..لقد عاش المسلمون في بداية البعثة ما بين قتل وتعذيب وانتهاك للأعراض وسلبٍ للأموال، فها هو بلال رضي الله عنه يُجرُ بجسده على الرمال الملتهبة ويوضع على جسده المتهالك الحجارة، وكل ذلك لم يمنعه من ثباته على قول أحدٌ أحد، وها هي سمية أم عمار تطعن في موطن عفتها ويعذب زوجها وابنها عمار بتعذيبها ويشتد البلاء على الصحابة فيذهب بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة فيقولون له يا رسول الله ، ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟

فيجيب صلى الله عليه وسلم قائلاً إنكم قومٌ تستعجلون لقد كان من قبلكم يمشط الرجل بمشاط من حديد ما دون عظامه من لحم أو عصب وما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه.

أخي وصديقي.. إن الله عز وجل حكيم يدبر أمر هذا الكون بحكمة وعلمه وعدله فتأمل معي الآيات في سورة الكهف عندما يستنكر موسى عليه السلام فعل الخضر من قتل الغلام واستشعر معي حال الأبوين عندما يأتيهم خبر ذبح طفلهم الصغير وما يحلُ بهم من عويل وحزنٍ شديد وإذا بالحكمة الإلهية تجيب على حيرة موسى وتوضح له حكمة الله وعدله ورحمته بعباده المؤمنين (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما)

فعندما تسأل أين الله مما يحدث للمسلمين وأين الله من الظالمين فإنه سبحانه وتعالى يقيناً لا يغفل عنهم ولا يغفل عن نصرة المظلومين، فإن كنت تسأل عنه تبارك وتعالى ليعينك على هلكة الظالم فالله موجود ونصره وعدله قائم لمن يحقق شروطهما.. فإذا بصوت شجي صادحاً نقياً يخرج من مذياع السيارة ليلخص كل ما تحدثنا فيه ويعيد روح صديقي الى جسده بقوله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.