شعار قسم مدونات

قَتَلُوا الدَّغْبَاجِي وَأَفْسَدُوا عُقُولهِمْ

blogs - علم تونس
ما زال هؤلاء لا يعلمون أن تلك الزعامة التي صنعها حكامهم ورموزهم لأنفسهم وأوهموهم بحقيقة وجودها بشتى الطرق، وكنا نحن إحدى ضحايا غبائهم وتخلفهم، حين كنا نؤمن خوفا أنهم هم صنّاعنا وهم حملة العلم وكل ما يقولونه هو الصحيح ونحن المخطئون ولا بد أن نتعلم منهم ونسير على طريقهم المظلم الذي يعج بالمتاهات والكذب والتخلف رسخها في أذهانهم حاكمهم وأصبحوا غير قادرين على التخلّص منها رغم تعدد الوسائل والإمكانات التكنولوجية والإعلامية وتنوعها على كل الأصعدة حتى الآن.

قم للمعلم وفه التبجيل كاد المعلم أن يكون رسولا، قاعدة ليوم الناس هذا سارية المفعول في أذهاننا ومجرد التفكير في النقاش فيها خط أحمر، فهذا هو ما نطبقه ولا ينبغي الحياد عليه إيمانا منا بفضلهم وما قدموه لنا أيام كنا طلبة ولا بديل لنا غيرهم لتحديد المستقبل الذي رسمه لنا المستعمر، وحاكمهم معا وحددوا لنا المساحة المسموح بالنشاط فيها.

أحترمك سيدي وأكن كل الحب إليك على الدروس التي قدمتها لي، والتي بدورها قدمت إليك، لكن لماذا مازلتم هنا؟ لماذا تفكرون أنكم على صواب؟ لماذا تفكرون بأدمغة حكامكم الذين أثبت التاريخ أنهم أعداء للأوطان والشعوب ولكم أيضا؟ لماذا مازلتم تدافعون عنهم رغم جذب بساطهم الأحمر من تحت أقدامكم؟ وكتبنا لكم كواليس حكمهم وزيفهم وكذبهم في تلك الفترة ببراهين وحقائق دامغة. لماذا ما زلتم تحتكمون لأيديولوجيا لستم قادرين على تحديد اسمها أو تاريخها أو الهدف من الدفاع عنها والعيش بواسطتها وعدم الحياد عنها؟

أذكر تلك الزعامة القومية التي بنوها على ظهور من تنبأ بوجودهم، أنها أكبر كذبة في تاريخهم وتاريخنا المسموم في مفارقة بين ما نقرأه اليوم وما كانوا يريدونه هم.

هل تفطنتم لمثل هذه السلبيات أم لا بد علينا أن نرد الجميل ونُعطيكم دروسًا؟ لقد فكرنا في ذلك فعلا وفعلنا إلا أنه لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر، ولا لوم على من طبق برامج وحمل أفكارا لا يعرف مصدرها أو حتى الهدف منها، فهل تستطيعون إنكار ما قاسيتموه معا في ذات المكان والزمان؟ فارحمونا من غبائكم. واعلموا أن الزمن والتاريخ قد تغير فهلاّ تغيرتم؟ فعلا لا نريد إنكار جميل البعض منكم، أما البعض الآخر إما أنه التزم الصمت إيمانا منه بأن الزمن قد تغير، ولا يجرأ على تفاهات هو يعلم أنه سيكون مسخرة بمجرد ذكرها أو خوض النقاش فيها، وإما من هم يسيرون بحذر ويعلمون مسافة وقوفهم بين الحق والباطل، فهم حقا مربون ومراقبون لنا. هم الإنسان الذي لم يتجرد من معنى الإنسان والأنْسَنَة والإنسانية.

(أنا أحارب فرنسا وكلي إيمان بأنه سيأتي اليوم الذي ستغرب فيه عن أرضنا لكنّني أريد أن أعيش لأقاتل كلابها الذين سيصمون آذاننا بنباحهم بعدها) هكذا قال محمد الدغباجي واحد من كبار مقاومي الاستعمار الفرنسي في تونس وهو أسطورة الكفاح المسلح بين عام 1918 حتى سنة 1924، وانتهت حياته يتأرجح في حبل المشنقة على أيدي المحتل الفرنسي ثم لقبوه بالفلاّڨ.

مات ذلك الرجل الذي تنبأ بنباح هؤلاء، رحل من عاش رجلا ومات شهما خالدا اسمه مع العظماء، وها هم كلاب فرنسا الذين صنعت لهم واجهة ملغومة ووضعتهم حشوا أساس يقتاتون من بقايا من صورتهم وصنعتهم لهم زعماء ومنقذين. أوصاف لا يريدونها حقيقة، مغفلون لا يريدون قراءة التاريخ من زاوية حُجبت عنهم قصدا ومُنع عنهم مجرد الحديث أو البحث عنها، واليوم يعلمون بتلك السموم التي دُست بين أضلعهم أفسدت قلوبهم وعقولهم، صور مزورة عمت أبصارهم نتيجة مرض قلوبهم وأفكارهم وتخلفهم الذي يريدوننا العودة إليه أو على الأقل الاقتداء به إيمانا منهم أنه العصر الأفضل.

كيف إذا يريدون لنا العيش كذلك وهم دعاة الحداثة والتقدم بمفهومهم للعلمانية واليسار معا؟ حين أبحث في عدد من كتب المِؤرخين والمثقفين ممن هم يعتبرونهم أعداء، والذين كانوا قد عاشوا تلك الحقبات وكتبوا لنا عن كواليس حكمهم، وأتذكر تلك الصورة التي رسموها لنا سابقا، والتي كنا بموجبها نلوح بأيدينا حفاة عراة أيام طفولتنا التعيسة لأي طائرة نراها في السماء، ونردد يحيا الزعيم فلان، في اعتقاد منّا أنه في تلك الطائرة، وهو الزعيم الفذ في وقت نعاني من الفقر المدقع والظلم والاستبداد والفوارق الطبقية.

نفتخر بأننا أبناء هذا الجيل الذي أسقط عروش ملوكهم، وداست أقدامنا صور زعمائهم، وزلزلت أصواتنا الأرض تحت أقدامهم، وبثت الرعب في قلوبهم.

أعود من هنا دائما وأذكر أن تلك الزعامة القومية التي بنوها على ظهور من تنبأ بوجودهم -الدغباجي- هي أكبر كذبة في تاريخهم وتاريخنا المسموم في مفارقة بين ما نقرأه اليوم وما كانوا يريدونه هم أن نقرأه دون غيره بوسائل متنوعة، وأولهم إعلامهم الذي ما زال إلى اليوم يعيش زعامة وهمية، ويرون أنه من حقهم الدفاع عنها، ففتات الزعيم والمال العام الذي كانوا يقتاتون منه أتى أكله حتى اللحظة.

فئة ثبت فيهم قوله تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) سودٌ قلوبهم لا تعرف ألوانا ولا يرون مانع في معاداتك ويسعون للتقليل من شأنك، لا يريدون الخير إلا لأنفسهم، نراهم مبتسمين ولكن حقيقتهم عابسين لا يأكلون لحم الخنزير، لكنهم يشربون الخمر، يؤيدون قوانين منع تعدد الزوجات، لكنهم زناة ولا يغضون أبصارهم، يدافعون عن المرأة على منصّاتهم الخاصة والمحافل الرسمية، ولا يستمعون لأنينها عند ملامسة يديها قطرات زيت ساخنة أو آلة حادة، وهي تعد أكلهم في المطبخ على بعد أمتار منهم.

ينددون بالعنف وهم أوّل من عنفوا نساءهم وأطفالهم، نفتخر بأننا أبناء هذا الجيل الذي أسقط عروش ملوكهم، وداست أقدامنا صور زعمائهم، وزلزلت أصواتنا الأرض تحت أقدامهم، وبثت الرعب في قلوبهم، هذه ثقافتنا التي لم ترق للبعض منهم، دعاة المعرفة وثقافة ملوكهم الجهلة، فحسب معرفتي المتواضعة للثقافة وحسبما جاء في منجد اللغة، ثقف ثُقفا، يعني صار حاذقا خفيفا والحاذق هو المنصت للصواب والخطأ على حد سواء، والذي يفهم ثقافة عصره ويتقنها ويتحرك بواسطتها في مجتمعه مغيرا وناقدا لا صامتا، ويقول للمخطئ تكلم ستتعلم، وليس العكس أما مفهومي وتفسيري لاعتقادهم هي تلك العبارة (ثقفه بالرمح)، وهو ما معناه أن نجد بعض المثقفين الذين يحسنون أدوار الطعن والإلغاء والإقصاء يطعنونك حاضرا، وخاصةً غائبًا،  ويطعنون بعضهم البعض وصولاً لمفردة (الثقاف) وهو الخصام بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويتخذون من الخصومة والجدال العقيم شعارًا بدل الحق في الاختلاف، فإذا رأيت مبتلى فاحمد الله على العافية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.