شعار قسم مدونات

علاقات معقدة

blogs - relationship

الزمن حسب النظرية النسبيّة هو بُعدٌ فيزيائي رابع للمكان، لكنه لا يعدو كونه وسيلة لتحديد ترتيب الأحداث بالنسبة لمعظم النّاس. الزمن بالنسبة لمُحِبِّي العلوم والعلماء عبارةٌ عن مجموعةٍ كبيرةٍ من الاستنتاجات والبحوث العلمية والمعادلات اللامنتهية، وعالمٌ واسعٌ بالنسبة لصانعي الأفلام والخيال العلمي.

 

وقد يكون أيضاً شاهداً على عصور مرَّ بها العثمانيون كمثال، فقد نجحوا نجاحاً باهراً بتثبيت الزمن عند نقطة معينة ليكون شاهداً على روعة عَمارتهم وفنِّهم والعبقرية السحرية في مساجدهم، كنتُ في كلِّ مرة أزورها أشعر بهم داخلها وأتخيلهم أمامي يبنونها بكل تفاصيلها مانحيها جمالا أصعب من أن يوصف. أما بالنسبة لنا كأشخاص عاديين بسطاء، فالزمن هو عبارةٌ عن علاقاتٍ معقدة.. علاقاتٌ نعيشُها دائماً مع الزمن.. التفكير، القلق، الانتظار، الحلم، ولحظاتُ السعادة رغمَ قلِّتها.

 

ذلك الزمن العجيب، يمكنُ أن نستحدث معظمَ أوقاته كأنّها أمامنا، فقط برائحة عطرٍ او مكان اعتدنا عليه، أو موسيقى كنا نسمعها باستمرار في وقت من الأوقات.

الزمن دائماً يصبح أسرع أثناء الامتحان، يصبحُ سريعاً جِدَّاً ليلة الاستعداد لدوامٍ صباحيٍّ مَقيت، ويتوقف أثناء القلق بعكس سرعة تفكيرنا التي تتسارعُ بشكلٍ رهيب، تتجمَّدُ عقاربه قبل الحدث المنتظر، وفي ذات الوقت نشعرُ بأجزاء الثانية أثناء استماعنا للحن النشوة "كما أُحبُّ أن أسميه" في موسيقانا المفضلة.. عداك عن العبث معه في حُبِّنا الدائم للتأجيل وحُبِّهِ الأزليِّ للانتقام.

 

والغريبُ أيضاً أن الآخرين دائماً ما يعطوننا نصائح هي الأفضل من وجهة نظرهم لملء أوقاتنا، وآخرين يعلِّقون بسخريةٍ على أوقاتٍ بلا فائدة نقضيها، دون معرفتهم بصراعاتنا الداخلية.. وذلك من وجهة نظرهم أيضاً، في المقابل نحن أيضاً نقوم بتقييم أفعال الناس من حولنا ونُحلِّلُ الأمور بأنه لو فعل ذلك لكان أفضل وأنه لو لم يفعل هذا لما حدث كل هذا، دون معرفتنا بصراعِهِ مع الزمن أثناء اتّخاذه لقراراته، وبرأيي أنها أكثر العلاقات تعقيداً مع الزمن ومعنا نحن الممتلئون بالتعقيدات.

 

من عراكاتنا مع الزمن أيضاً لحظة اختيار القرار، وإجبار النفس على اختيار شيءٍ عكسها يكون ضد مصالحها ليتماشى مع مصالحنا نحن كأُناسٍ يُحاوِلونَ ألّا يقعوا في الخطأ وتجنب النّدمِ فيما بعد، وقتها نكون بأمسِّ الحاجةِ لكلمة سحرية من حكيم أو رأيّ من أصحاب الخبرة، لكنها كما جرت العادة.. نقوم باختيارنا ونتحمل العواقب لعلها تكون دروساً لأيام قادمة.

 

من عجائب الزمن أيضاً ودليلٌ على حبه للانتقام عندما يُذكِّرنا بذكرياتٍ نكرَهُهَا، وبقراراتٍ كُنّا قد أخذناها وندمنا عليها ومضى وقتٌ بعدها وأكلَ عليها نفس الزمان وشرب.. لِنجلسَ في زاوية نتألم في ذِكراها بينما يقف في الجهة المقابلة ويبدأُ بالضحك ليذكّرنا أيضاً بأنّه لم يكن علينا فعلُ هذا.

 

ذلك الزمن العجيب، يمكنُ أن نستحدث معظمَ أوقاته كأنّها أمامنا، فقط برائحة عطرٍ او مكان اعتدنا عليه، أو موسيقى كنا نسمعها باستمرار في وقت من الأوقات. هو ماكرٌ أيضاً عندما لا يسمح لنا بنسيانه ومحو الذاكرة منه في فترة معيّنة لا نريدُ أن نفكر فيها.

 

ولعلَّ أبرز صراعاتي معه عندما كنت أحاول أن أُرَتِّبَ تفاصيل آخر لقاءٍ كان لي مع من أُحب لكن من دون جدوى. في النهاية أعتقد أنك ستفكر بأمرين، أولهما أن تعيد على ذاكرتك آخر ما قُمتَ بفعله وتفكر بالآتي بتعمق أكثر. والثاني ألا تجد أي فكرة فيما قرأت وتعتبرهُ مجرّد ترتيبٍ للكلمات ولا ألومك في ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.