شعار قسم مدونات

خالق الناس بخلق حسن

مدونات، احترام

مشردون، مدمنون، أيتام وأطفال يسيل لعابهم أمام كرة مثلجات لا يقوى الأب على دفع تكلفتها.. كهول يقفون في الحافلات العمومية، وشبان يجلسون، كأنهم يؤمنون بشكل أو بآخر أن الوقوف يساعد على خفض مستويات الضغط والسكري! رجال يغتربون أملا في تحسين الأوضاع وينتهون إلى العجز عن دفع تذكرة الرجوع. عقوق وجحود ومصائب كثيرة، لا تقوى النفس على عدها حتى. ووسط هذا الكم الهائل من البؤس والبشاعة، تتناثر ذرات أمل، وأرواح ذهبية، فاقت غيرها بخلق حسن، الخلق الحسن نعمة.

ألن يتغير الوضع لو أن الكل التزم، بالحق والواجب، بالابتسام والتأدب وحسن المعاملة؟ قد يضحك البعض من أفلاطونية آمال السذج مثلي، إلا أن مزاجي يتغير فور ابتسام أحدهم أمامي، ولست مستعدة لتغيير ما امنت به طوال سنين، فقط لكيلا أبدو ساذجة، للواقعيين، الذين زاحم البؤس أيامهم، ولم يعد الموت يرعبهم.

قبل النطق حاول أن تضع نفسك مكان المتلقي، ستغير رأيك في كثير من الأحيان لا محالة. فخالقهم بخلق حسن

صادفت كثيرا من التناقضات، وأكثر ما يحيلني على الجنون منها، مقارنة بين عمي دريس، مستأجر لا أدري حقا عمله، وسيدة، أظنها مراقبة بيت الرعاية، بين عمي دريس العساس الخمسيني ذو الابتسامة الشاحبة، والقائمة على شؤون مركز للرعاية، مائة عام من الإدراك، هما يشتركان في شيء، يتلقيان ابتسامات كل من يمر بهما، إلا أن عمي دريس، يبادل المبتسم ابتسامة، وهي تبادل المترددات على المركز تكشيرة، أو تعليقا قد يقضي الإنسان أسبوعا في التفكير في مغزاه!

مثل سيدة المركز، عدد كبير من الناس، و عمي دريس قلائل.. تلميذا، أستاذا، طبيبا، نجارا، طباخا، وزيرا، أيا كنت، لن يشفع لك مالك و لا ذهبك، ان كنت ذا خلق سيء، مع إمكانية حدوث ذلك في بعض الأفئدة التي أضحت تخشع و تعبد الأشكال. أيا كنت، خالق الناس بخلق حسن. شكرا جزيلا، عفوا، هذا من لطفك، يسعدني ذلك، وكلمات أخرى لا ضير في تعلمها واستعمالها، بل بعد بابا وماما، هي أول ما يجب أن يلقن الطفل. احترام الغير، عدم مقاطعتهم، عدم المساس بهم ماديا ومعنويا، زميلك يريد استعارة قلم، أعطه له في يده، لا ترم، تحب المزاح، لا تسخر من شكل أصدقائك، لا تنافق ولا تكن وقحا، احترم تحترم، تفاصيل صغيرة، كلها تدخل في حسن الخلق.

أيا كنت، لا أنت ولا أحد منا يعلم ما يمر منه الاخر، فخالق الناس بخلق حسن. مآلك لحد وتراب يؤويك، ورغم ترديد الناس ل: واذكروا موتاكم بخير، إلا أنهم لن يفعلوا ما لم تترك لهم خيرا. إن أكثر ما يستعصي على الإنسان نسيانه، هو لطف وقبح عومل بهما، كلنا تحتفظ ذاكراتنا بإهانة تعرضنا لها من قريب أو بعيد، وتحفظ جيدا تقاسيم الوجه البشوش الذي ابتسم لنا يوما، قبل النطق حاول أن تضع نفسك مكان المتلقي، ستغير رأيك في كثير من الأحيان لا محالة. فخالقهم بخلق حسن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.