شعار قسم مدونات

وهم الطفولة

blogs الامازيغ

رويت لنا حكايات عديدة عن أنفسنا إلى أن الطاغي على جلها أن لا تاريخ لنا إلا بدخول العرب العظماء الأجلاء إلى المغرب، فكنا في أحيان عدة ولرعونة عقولنا نقول ونحن مبتسمين بعد أن قضينا فترات ما قبل ولوج المدرسة العمومية تائهين غير عارفين أصولنا وخاصة أن لغتنا تختلف عما نشاهده في التليفزيون وما نسمعه على الراديو.  دائما نسأل: ماذا يتحدث هؤلاء؟ وهذا السؤال لم نجد إجابته إلا عند الذين علموننا في الصغر أن أشرف الاعراق وأنبلها هم العرب القادمين من المشرق الذين جاءوا لنا بالنور وبالاسلام، وأن لغتنا هاته أي ما نتحدثه التي كانوا يسمونها بالهرطقة وأنها لا تصفوا إلى لغة تواصل ولا يمكن أن تكون في مصاف اللغة العربية التي حسب من علمونا هي الأفضل والأروع وهي الكفيلة لدخولنا الجنة بعد أن نموت وبها سيسألنا الله يوم العرض.

وهكذا أصابنا الخوف بعد أن أخبرونا بهذا الفضل أي أن الجنة دخولها رهين بالعربية وبالإسلام العربي. بينما كنا ندرس سكان المغرب القدامى صور إلينا أن من سكنوا المغرب في البداية ما هو إلا مهاجرين قدموا إلى المغرب في المشرق وكان يغلب عليهم البداوة فلا قانون ولا علم ولا دين لهم !! وسكناهم لم تكن إلا الكهوف والصحاري.

إلى أن جاء العرب العظماء حسب ما درسنا في كراسات الوزارة حيث بهم عظم شأن المغرب وأتونا بالإسلام وعملوا على إخراجنا من كفن الظلالة إلى النور وأحسنوا إلينا بعد ما كنا نتيه جاهلين كل شيء حسبهم. فالعرب قدومهم لم يكن إلا لغاية نصرة الإسلام ورغبة منهم في إنقاذنا ممن كانوا يستغلوننا من بيزنطيين ووندال فخوفهم على المغاربيين عجل بقدومهم.
 

ما تم تصويره لنا بأن الإسلام هو العروبة وأن اللغة العربية هي لغة الإسلام بدوره تبخر وأصبح غير مقبولا بل أكثر من ذلك أصبحنا نعتبر أن دخول العرب كان غزوا لأرضنا واستباحة لنسائنا وخيرات بلادنا

صراحة أحببنا العرب والعروبة.. وسارعنا لتعلم العربية بل اجتهدنا في ذلك بل الطامة الكبرى كنا نعتبر أنفسنا عربا ونرهن تاريخنا بتاريخ العرب، لا نميل قط إلى الحديث عما كان قبل القرن الثامن، وحتى ما عرفة المغرب من دول في تاريخه الوسيط اعتبرناها عربية بل افتخرنا بأن تكون عربية فنحن عربا ونريد أن نكون عربا.

كل هذا بدأ يتبخر مع توالي الزمن وبعد أن أصبحت عقولنا تتحرك وتشتغل بعد أن أزالت غطاء الرعونة.. فاكتشفنا حقيقة مخالفة لما تم تعليمه لنا خداعا بكراساتهم. اكتشفنا أن لنا تاريخا عظيما مجيدا سطره عظماء الأمازيغ من يوغرطة وبوكوس ويوبا وغيرهم، وأن للمغاربيين ثوارا جاهدوا في سبيل حماية أرضنا كأيدمون وتاكفاريناس، واكتشفنا أن العرب الذين صوروا لنا بأنهم العظماء والحاميين للأمة والرافضين للجور والبهتان فقد كانوا يعيشون في ظلال مبين وهذا ما تم اخفاءه عنا، ففي الزمن الذي كان فيه الأمازيغ يحمون أرضهم ويقاومون الغزاة كان العرب غارقين في الجاهلية يقتلون بناتهم يتزوجون بلا حدود يمارسون الرذيلة يعبدون الأحجار والأوثان بينما سكان المغرب الأصلاء كانت تقودهم امرأة تسمى ديهيا وتحارب معهم جنبا إلى جنب ضد الأعداء.
 

اكتشفنا أن اسم الأمازيغ يعني الإنسان الحر وأن نحن ساكني شمال إفريقيا لسنا عربا ولا أوروبيين ولا أسيويين بل أمازيغ أصلاء عرقنا يختلف عن باقي الأعراق، وأن سكان الشمال الإفريقي معروفون بسماحتهم وعنفوانهم فحتى الديانات التي قدمت إلى شمال أفريقيا من مختلف الأصقاع لم ترفض بل تم التعايش معها واحترامها وتبنيها، وأن للمنطقة لغة تكتب وتقرأ وعملة تمارس بها التجارة وجيوش تحارب كل من خولت له الرغبة في غزو المنطقة ودارسة غزو الرومان وطريقة طردهم من شمال إفريقيا وما تلعهم بعد ذلك من الوندال والبيزنطيين وقبلهم الفينيقين الذين لم يستقروا إلا بعد أن فرضت عليهم ضريبة سنوية كل هذا يؤكد على قوة تاريخ شمال إفريقيا زمن تلك الفترة الذي كان أعظم إذا ما قرناه بتاريخ العرب في نفس الفترة.

وما تم تصويره لنا بأن الإسلام هو العروبة وأن اللغة العربية هي لغة الإسلام بدوره تبخر وأصبح غير مقبولا بل أكثر من ذلك أصبحنا نعتبر أن دخول العرب كان غزوا لأرضنا واستباحة لنساءنا وخيرات بلادنا، وأن الدين الذي قدموا به استغلوه وجعلوا منه وسيلة لاستغلال كل شمال إفريقيا وهذا ما نجده في كتب التاريخ عندما نقرأ عن العرب وشمال إفريقيا، وحتى تاريخنا الوسيط نفسه لم يكن عربيا كله بل فيه العنصر الأمازيغي والذي كان حاضرا بقوة.

 

الحقيقة إن أرض شمال إفريقيا استبيحت تاريخيا وهتك بها وتم التلاعب به بطريقة جعلت الأمازيغ أنفسهم يتسارعون للتعربن، وهذا كله أصبح في تجاوز مستمر وستأتي تلك اللحظة التي سيدرك العالم فيه التاريخ الحقيقي للمنطقة

ونفس الشيء في تاريخنا المعاصر الذي نتألم كلما تأملنا في ما تكتبه كتب التاريخ عن الفترة التي ترفع من شأن العروبيين المتذللين لدى المشرق كعلال الفاسي وغيرهم متنكرة للمجاهدين والمقاومين الحقيقيين كمولاي موحند وعسو بسلام وموحى حمو الزياني هذا خير دليل على أن كل ما يروى ويكتب من تاريخ رسمي ما هو استظلال للعقول الصغيرة خاصة بعد أن وضع الإسلام كورقة إيهامية يتم بها التلاعب بمشاعر البسطاء الراغبين بالجنة السهلة السلسة مع من يعتبرونهم إخوانا لهم (العرب) معتقدين أن العروبة والعربية ستسهل عبور هذا العالم بسهولة. والالتحاق بعقبة بن افع الذي حسبهم هو الفاتح للأرض، وأن قتله من طرف عظيمنا نحن كسيلة ما هو إلا إرهاب ورفض للإسلام غير عارفين بقصة الواقعة.

الحقيقة إن أرض شمال إفريقيا استبيحت تاريخيا وهتك بها وتم التلاعب به بطريقة جعلت الأمازيغ أنفسهم يتسارعون للتعربن، وهذا كله أصبح في تجاوز مستمر وستأتي تلك اللحظة التي سيدرك العالم فيه التاريخ الحقيقي للمنطقة الذي لن يظل حبيس المتعلمين فقط بل سيصل إلى عامة الناس إلى نساءنا وأمهاتنا وأباءنا… سيأتي ذلك اليوم الذي سترفع فيه راية الأمازيغ فوق هاته الأرض، وسيقال أن العربية والعروبة والجغرافية العربية لأرض تامزغا ما هو إلا وهم وبهتان.

فليعش العلم تحت راية الإنسانية ولنحترم ماهية كل أرض وكل شعب على حدة، ولنؤمن بالتعددية وبالتنوع الثقافي أنا إنسان إفريقي أمازيغي عربي أفاغني أسيوي أوروبي… أنا الإنسان أنا الإنسان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان