بعد أن تفكرتُ مليّا، وتأملتُ عليّا؛ حتي ضنت عيني، وذهب عقلي من رأسي تارة، وتضعضع قلبي من حُجرَتِهِ تارةً أخرى، فجمعت بين كليهما ليصدق عقلي ويَسكُنْ قلبي وتؤمن روحي بأنه عندما تتجاوز الفتاه سن الخامسة والعشرون ولم ترزق بالزواج ستصبحُ عانس، ويُكتب عليها الشقاء والعناء، ويصاحبها الحزن مُصاحبة الأوفياء، وتهجرها السعادة كهجر حبيبٍ حبيبَهُ .
في مجتمعاتنا العربية حين يلتقوا بتلك الفتاه تقع أعينهم في الوهلة الاولي علي أصابعها، فإذا بالبنصر لم يُعلّق بِهِ خاتم السعادة، وكأنهُ خاتم سُليمان السحري التي تَحكي عنهُ الأساطير، فيرددوا علي مسامعها كما يردد الببغاء بتلك العبارة التي تتشكل بها عقولهم والموروثة عن أجداد أجدادهم وها أنا سأُلقيها علي أبصاركم "امتي هنفرح بيكي؟"
وماذا عساها أن تفعل؟ فكيف تُخبرهم بما لم تُحِط بِهِ عِلما؟ فالسعادة في مُعتقَداتِهم تَكمُن في الزواج، والزواج يَكمُن في الفستان الأبيض و"بدلة التوكسيدو" فقط! ولكن ماذا بعد الزواج؟ هل سعادة واستقرار؟ أم خذلان يلحق به الطلاق؟
سأطرح عليكم سؤالاً، لماذا يتأخرنَ بعض الفتيات الطموحات عن الزواج؟
الإجابة تلتوي وراء سؤلاً أخر.. ما مَهرْ الفتيات التي يُطَرِزنَ السحاب ببريق نجاحهُنَ فيُحلـِّـقنَ بالشمس كل صباح، وفي المساء يكون القمر جاراً لهنَّ؟ مهرهن ببساطه ألّا تقُص أجنِحتهن. فتاه مثل هذه الفئة من الفتيات لا يهمُها متي ستتزوج! ولكن من الذى تستطيع أن تُحاكي الله عنهُ فتقول "اشْدُدْ بِهِ أزْرى وَأشْرِكهُ في أمْرِى"، من الذى ستستظل بظِلِهِ طوال العمر لتجمعهما حكاية واحدة ويتواحدا حقاَ لا قولاَ فقط في بيت واحد سقفهُ المودة والرحمة ،ومن ثم الثبات علي ذلك دون ملل ولا كلل، ومهما حدث مهما حدث (لم اكررها خطأَ) فعلاقتهما يجمعها التكامل والنُقصان في آنٍ واحد، كل منهما يكمل الأخر وكل منهما أيضا في أَمسُّ الحاجه للأخر .
الحياه مُتناقضةٌ مُغايرة، فيها الخير والشر وفيها الشقاء والنعيم وعنها تنبع السعادة، فليس الزواج بطول مدتهُ وإنما باستمرار سعادتهُ !ألَمْ يكُن الله أخرها عن الزواج لكي يعُدُها عَداً جميلاً فيصنعها علي عينه لتلتقي بمن تسكن إليه روحها وتهرع إليه نفسها من نفسها بعد أن هو أيضا يصنع علي عيّن الله؛ لينتقلوا من عقول تعيش علي فتات موائد أفكار الروائيين وخيالهم الجامح في الحكايات السنيمائية إلى عقول تُدرك "هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ"، "مِّيثَاقًا غَلِيظًا"، " لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا"،"وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"، ولينتقلوا أيضا من أرض الأحلام والحياة الوردية إلى أرض الحقيقة والحياة الواقعية، ومن عالم الماورائيات والخفيات الى عالم الماهيات ومن مشاعر زائفة واهية إلى صادقة واعية، ولله في خلقه شؤون إذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه !
هي لا تحتاج لمساعدة أحدكم ليُقنعها بأن تتزوج أي شخص يصادفها خوفاً من الخوف الخفي أن يطلق عليها "عانس"، فهي في غني تام عن ابتسامة غير مكتملة وعقلا ربع راضي وقلبا مكسورا فقط لهروبها من اسم العنوسة. |
هي لا تريد أن تعيش ككائن البطريق، فيكون أكبر إنجاز له أن يعيش في سلام وأمان ويكمل دورة حياته فقط للحفاظ على نوعه من الانقراض! بل هي كالشمس يُستضاء بضيائها الغيوم، لديها نفسٌ طواقه، ورَوّحٌ بَرّاقة فبمن تقبل أن تتزوج بأقل من القمر منزله؛ لتضيء هي الغيوم نهارا ويواصل هو ضياء العتوم ليلا فيُنيروا درب الأخرين.
ومنهن من هي كالنجمة تتلألأ في سماء الفضاء وشُعاعُها يخترق صخور الأرض فتحرك فيها روح الضياء والإثراء وعدم الرضي بالسكون في القاع والبقاء، فتحول تلك الصخور إلى نجمات أخريات والصحراء الجرداء إلى أرضٍ خضراء وتنير ثنايا قلوب الهائمين التائهين فيصبحوا مُلهمين متحررين.
قُلْ لي إذن فبمن هي تقبل أن تتزوج؟ هي لا تحتاج لمساعدة أحدكم ليُقنعها بأن تتزوج أي شخص يصادفها خوفاً من الخوف الخفي أن يطلق عليها "عانس"، فهي في غني تام عن ابتسامه غير مكتملة وعقلا ربع راضي وقلبا مكسورا فقط لهروبها من اسم العنوسة ولكنها مدركه تماما أنها ستهرب من الاسم للكلمة أمام المجتمع ولكنها ستعيش الفعل لتلك الكلمة، ومن ثم ستدخل في دائرة جديده ومطاردة أكبر إذا فقط أرادت إن تُطلق! ويحك!! ماذا سيقولون عنك الناس "مطلقة"! والأحرى من ذلك لو كانت لديها أطفال!!
إذن ماذا فعلنا بها؟ الإجابة بكل بساطة أننا دمرنا حياتها تحت ضغوط مجتمعية عقيمة، عجبا لكم! وهكذا ماذا أصبحت هي؟ هيهات هيهات.. هل أصبحت عانس إلا ربع؟! الزواج ما هو إلا هيئه من هيئات الرزق، والرزق له هيئاتٌ كُثـُـر، عندما لا يرزقها الله بالزواج فهو حتماً رزقها برزق أخر، فهذا لا يُعني أنها لم تَحظَ بالسعادة قطٌ في حياتها، نجاحها يكون زواجٌ للسعادة. لم يكن منظوركم أشبه بالفتحة السفلي من القرطاس الورقيّ، فتعجبون لأمرِها وتُشفقون ولا تتفكرون ! فأي عقلٍ يستقيم وأي خافق يستكين لمجرد الظن بأن الله يخلق روحاً بنصف قلب! حاشاهُ جلَّ عُلاه، الله اسمهُ العدل فكيف أن يخلقها بنصف حياه!! أفلا تعقلون! رفقاً بالقوارير