شعار قسم مدونات

مبادرة ال100 وجبة.. هل تكفي براءة الفكرة؟

مدونات، عامل نظافة
منذ أيّام غرّد شاب سعودي يدعى عبد العزيز برساله لأحد المطاعم مفادها: "كم تحتاجون من التفاعل مع حسابكم مقابلاً ل100 وجبة تبرع منكم لعمال النظافة"، وحصل أن تسابقت المطاعم والجهات المختلفة لدعم مبادرة عبد العزيز، لتلحقها مبادرات على غرار مبادرة الشاب السعودي تأخذ طابع أكثر جماهيريّة، وهنا أكتب مشكلتي مع الفكرة ورأيي الذي يقدّر الجهود النبيلو البريئة لكن لا يستسيغها إلا في شكلها الصحيح.

أحياناً تناول موضوع معين يوصل رسالة نقيضة للرسالة الظاهرة والمرادة فعلى سبيل المثال أنا أرى بجمعيات حقوق المرأة مثلاً أول المنتقصين منها إذ أن المطالبة بحقوقها بطرق غير مناسبة أحياناً تجعل منها في الأذهان وكأنها فرد -درجة ثانية- بالمجتمع. وعلى نفس المبدأ فلا يوجد أي مهنة شريفة بحاجة منّا أن نقدّم لأصحابها أي شيء يشعرهم -بشكل غير مباشر- أنهم عمّال برتبه اجتماعيّة منقوصة وتحتاج لمن يُقر لها بالإحترام، ففي ذات الوقت الذي أقدّر فيه رغبة واندفاع الشباب لتقديم الامتنان لعمال النظافة، أجدني في مشكلة كبيرة مع المبدأ ومع الأسلوب.

فما حصل مع الشاب عبد العزيز أمر لطيف لعفويّته، لكني أرى فيه لاحقاً بأنه أصبح نوع من الدعاية لدى البعض كون الموضوع قد أصبح متداولاً بكثرة ودفع آخرين لركوب موجة الفكرة دون التفكير في جوهرها. مشكلتي مع الأسلوب أن فيه ابتذال ونوع من "التسوّل" العلني وفتح الباب للدعاية التجارية والرياء الاجتماعي على حساب مهنة شريفة لا تختلف عن باقي المهن ولا تحتاج من يستخدمها بانتقاص، ومن جهة فقد يرى البعض بالأمر -وربما يكون محقاً- نوع من الإحسان والتحفيز على الخير بلغة شبابية محببه، وهنا أذهب لمشكلتي مع المبدأ.

هناك العديد من الأفكار التي من الممكن أن تشكّل بديلاً أنيقاً، مثل المطالبة بتحسين أوضاعهم وتحرّي حالتهم الاجتماعيّة والعمل على سد حاجاتهم من غير أضواء أو جرح لعفافهم

فمن حيث المبدأ، لماذا عامل النظافة تحديداً يحتاج منّا أن نقدّم له وجبة طعام أو نستجدي الدعم ونقوم بالدعايات على أكتافه.. ما ذنبه؟ ما الذي ينقصه؟ لماذا لا نفعل ذلك للطبيب مثلاً للخبّاز أو للميكانيكي؟ لماذا نربط عمل الخير بعامل النظافة الذي سميناه في بلدي الأردن ب "عامل الوطن" كأسلوب تجميلي للاسم وكأنه يمثّل عيب ما! ما الذي ينقص عامل النظافة ونحتاج لأن نملأ بوجبتنا تلك نقصه!

وضعت نفسي في محلّه؛ ماذا لو كنت عامل نظافة وشاهدت حملات تستجدي أصحاب المتاجر على حسابي، أو شاهدت شباب يفرغوا طاقاتهم التطوعيّة -على براءتها- في تأمين وجبه طعام لي أو خدمة أياً تكن. سأسأل نفسي، لماذا أنا تحديداً؟ لماذا أنا تلك السلعة؟ هل مهنتي ناقصة لتحتاج هذا الجهد من الناس لإثبات تقديرهم لأصحابها.

ربما تجد من لا يرى -من عمال النظافة أنفسهم- ما أراه، ربما لأنه يشعر فعلاً لسبب أو آخر بحالة نقص دفعه لها المجتمع أو لأنهم في طبعهم بسطاء ولا ينظروا للموضوع الا ببراءة حتى لو قمت بتصويرهم والتفاخر بصورهم على مواقع التواصل. وربما يرى البعض بأنها لفته جيّدة بدأت بعامل النظافة مروراً بغيره كنوع من إضفاء حاله اجتماعيّة متراحمة، ربما، لكن باقتصارها على الشكل الحالي لم أستسيغها وهي دعوة للنقاش حول أفكارنا قبل تطبيقها لأن براءة الفكرة لا تكفي.

هناك العديد من الأفكار التي من الممكن أن تشكّل بديلاً أنيقاً، مثل المطالبة بتحسين أوضاعهم وتحرّي حالتهم الاجتماعيّة والعمل على سد حاجاتهم من غير أضواء أو جرح لعفافهم، فالفكرة إذن في دعمهم وتحسين أوضاع المحتاجين منهم وترسيخ مبدأ التراحم الاجتماعي كسلوكيات يومية وليست المشكلة في الوظيفة وسد نقصها غير الموجود أصلاً! ودمتم بروعة.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان