لا يفوِّت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أي خطاب له سواء كان أمام مناصريه من الشعب التركي أو في أي محفل دولي إلا ويستغله لتذكير أوروبا والغرب بشكل عام بأن تركيا القديمة سوف ينتهي عهدهم بها مع حلول العام 2023، وسيكون هناك تركيا جديدة لم يعهدوها من قبل، لا بل نجده ربط في بعض تصريحاته بين هذا التاريخ ونهاية دولة الكيان الصهيوني، حتى أن الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس ربط أيضا بين هذا التاريخ وبين نهاية دولة الكيان في أحد خطاباته في قطاع غزة قبل استشهاده في مارس/آذار 2004، فما هو سر هذا التاريخ؟
لماذا ينتظر أردوغان العام 2023 للبدء بالتنقيب عن النفط، والشروع بحفر قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، والبدء بتحصيل الرسوم من السفن والبواخر التي تعبر مضيق البيسفور؟ ربما أن هذا السؤال يفسر الحرب الدائرة الآن بين أوروبا وأردوغان بالتحديد، ولماذا سعت أوروبا وأمريكا بكل الطرق للتخلص من أردوغان القوي الذي حارب الفساد والمؤسسة التركية العسكرية التي رعت على مدار عقود الفساد والفاسدين، والتي شكلت رأس التبعية للغرب والصهيونية على حساب الشعب التركي ومستقبل تركيا؟ تلك المساعي المحمومة والتي كان آخرها الانقلاب العسكري الفاشل في 15/يوليو تموز 2016.
سينتهي العمل ب "معاهدة لوزان" بعد أن يكون قد مر على توقيعها مائة عام، بحلول العام 2023 وهذا ما يثير رعب أوروبا وأمريكا وكل العالم الغربي والصهيونية، وخاصة بعد نجاح أردوغان بتعديل الدستور التركي |
حقيقة هذا السر تكمن في تأسيس الدولة التركية بناءً على معاهدة لوزان الموقعة عام 1923، وهي عبارة عن معاهدة سلام وقعت في مدينة لوزان السويسرية بين قوات حلفاء الحرب العالمية الأولى وبين الدولة العثمانية ممثلة بالحركة القومية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، حيث صور الأخير وقتها للشعب التركي بأنه أسس الدولة التركية الحديثة على أنقاض اﻹمبراطورية العثمانية مجبرا المجتمع الدولي على الاعتراف بها كدولة لها سيادة، بينما الحقيقة أنه وضع تركيا في بطن الغرب وتحت رحمته وفي خدمة الحركة الصهيونية العالمية مشفيا بذلك غليلهم بانتهاء آخر اﻹمبراطوريات اﻹسلامية بشكل مهين، ربما أن الشيخ أحمد ياسين كان يربط انتهاء العمل بتلك المعاهدة وبين عودة "تركيا اﻹمبراطورية اﻹسلامية" من جديد والتي حمت اﻷقصى والمدينة المقدسة قديما من الأطماع الغربية -الصليبية- قرابة الخمسة قرون ليأتي العرب ويفرطوا بها للصهاينة خلال أقل من نصف قرن.
نصت وقتها معاهدة لوزان والتي تذكرها كتب التاريخ أحيانا "بمعاهدة لوزان الثانية" على نقاط مهمة من بينها:
– إلغاء الخلافة.
– مصادرة كل أموال الخليفة.
– نفي الخليفة وأسرته إلى خارج تركيا.
– إعلان علمانية الدولة التركية.
– منع تركيا من التنقيب عن النفط.
– جعل مضيق البيسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة مرورا إلى البحر الأبيض المتوسط ممرا دوليا لا يحق لتركيا تحصيل الرسوم من السفن والبواخر التي تعبره.
إذا سينتهي العمل بهذه المعاهدة المخزية "معاهدة لوزان" بعد أن يكون قد مر على توقيعها مائة عام، أي بحلول العام 2023 وهذا ما يثير رعب أوروبا وأمريكا وكل العالم الغربي والصهيونية، وخاصة بعد نجاح أردوغان بتعديل الدستور التركي الذي سيحول النظام التركي إلى نظام رئاسي مانحا أردوغان مزيدا من السلطة بمباركة غالبية الشعب التركي حين صوت لصالح حملة "نعم" بالتعديل الدستوري الذي أجري قبل أيام، للعبور بتركيا بقوة نحو ذاك التاريخ المنشود وليفوت الفرصة على أولئك المتربصين بتركيا وقوميتها اﻹسلامية، لذلك سعى الغرب -الصليبي- بكل شراسة للتخلص من أردوغان التركي المسلم الحقيقي، الذي يعمل لتركيا أولا وللإسلام ثانيا وتبديله بأتاتورك جديد يضمن لهم لوزان جديدة وربما مع المزيد من البنود الانبطاحية المخزية بفشل كبير.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.