كم من مجرم يقتل ليرضي نفسه، وكم مربٍّ يضرب تفريغًا لعنف روحه، وكم أمٍّ وأب لا يربيان كما يجب، بل كما تربيا لإشباع انتقامهما اللاواعي… في رحلتنا في الحياة نتكبل بالكآبة والحزن والسوداوية المبغضة والكره والحقد والأنانية والعنف، ونحرق قشات سعادتنا بحثًا عن إبرة الحزن، فما إن وجدنا الإبرة فقدنا السعادة.. كم نعطي الحزن من الوقت، وهل نبكي لأننا تأذينا أم نتركه للأيام؟
بتنا خاسرين لشعورين: الحزن والفرح الحقيقين، فنحن نتخفّى في ثوب الفرح خشية أن تظهر أجساد الحزن فينا، ونراكم الحزن بلا تفريغ أو تفرغ، حتى يظهر فينا كعلامات وإيماءات.
كتلة الآلام تلك ستقتلك وستقتلع باقي أفراح الحياة ما لم تقتلعها من جذور روحك، اربطها من جذورها بسلك حديدي متين واخلعها، وإياك أن ترأف بها أو ترحمها، اصرخ بها، ترجمها إن استطعت بجمراتها. |
متى آخر مرة بكينا وتباكينا؟ متى استرجعنا الأحداث التي قاعستنا وواجهناها بقوة، لقد لحقت بِنَا كتلة الألم ودخلت في نفس كل منا، وأصبحت تدحرجنا كما تشاء بين حرب وتشريد وقتل وجلد الذات، وبغض للآخر وعنصرية مميتة وغدر وطعن وخيانة.
لم يفكر أحد منا أن يتحكم هو في الكتلة؛ كأن يحضرها أمامه ويفككها، يجلدها بسياط من حديد كما جعلتنا نجلد ذواتنا مرات عديدة.. علام التخبُّط وقلة الإدراك بما نسعى إليه؟ فها نحن نرنو للفرح ولا نطوقه، يهاجمنا الحزن ولا نذوقه، وهل للحزن مذاق؟ له مذاق بين الحلاوة والمرارة لكنه مريح يزيل هموم السنين، فله حق علينا أن نفرغه متى شئنا أن نختلق الأعذار لنعيش لحظة الحزن كما يجب أن تعاش، لا نتركها تلتف حولنا لتدخل تتكوم مع كتلة الألم السوداء تلك.
كلنا بحاجة إلى استخدام منظف لكتلة الألم، فكتلة آلامك إن لم تهذبها عاندتك وأتعبتك، ركلتك وتحكمت بك، تمايلت بك يمينًا ويسارًا، أصابتك بداء الأنا وأجبرتك على إكمال مسيرتها لا مسيرتك، فهي لا تراك إلا كإنسان ضعيف لا يتجرأ على مواجهة آلامه ومحيها من أرشيف ذكرياته، ليحولها إلى اضطرابات وأمراض تقتله وتخنقه.
كتلة الآلام تلك ستقتلك وستقتلع باقي أفراح الحياة ما لم تقتلعها من جذور روحك، اربطها من جذورها بسلك حديدي متين واخلعها، وإياك أن ترأف بها أو ترحمها، اصرخ بها، ترجمها إن استطعت بجمراتها المعتمة المزخرفة، بنهب وشر وحقد، ولا تقلق للذي ستخلفه من روحك اليوم، فالجرح حتمًا سيبرأ عندما تذهبها، وستجد لفرحك وقتا، وتطوق للحياة بروح مرحة وستسمع صدى أقدام روحك تستريح من تعب كان يريد الجرأة منك فقط.. اركل كتلة آلامك ترتدّ إليك كرة آمال تسرك وتبعد عنك ما أهمّك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.