شعار قسم مدونات

ضيقٌ تملَّكَكَ ظُلماً

blogs - sad girl

نوافذ من نور أنت من سيعيش إياها من اليوم.. كُن معي الآن بقلبك قبل عقلك ولنذهب في رحلة صغيرة سويًا على بِساطٍ يُحرِّكُه الأمل واليقين ويعبث به هواء المحُبطِين ولكن تأتي الإرادة لتحكُم الأمر وتُعيد الهواء خائباً حيث كان، وتُلزمه الصمت طوال الطريق وهو حاقدٌ حاسدٌ فقد القدرة على العبث.. يرى مقوماتهم ناجحة لا يستطيع لاهياً العبث بها لأنها تنظر فقط إلى الأمام إلى حيث الهدف القابع هناك.

 

في البداية لا يوجد على وجه الأرض أشخاص أكبر من العجز وعدم القدرة.. لا يوجد "سوبرمان" يستطيع تخطي جُل أمور هذه الحياة العملية بمداهماتها وزحامها وضغوطاتها، هي لا بُد وأن تطغى على بني البشر الحالمين وأصحاب الطموح والهدف.. أصحاب الإصرار السائرين على خطى النجاح.

 

هل كُنت في الجنة هناك عندما أكلا أبوينا من الشجرة؟ ما الذي دفعهما لطلب العفو؟ أتعلم أنه نفس الشيء الذي نتحدث عنه، الإيمان الداخلي الذي يُطلق عليه "الأمل"؛ أملٌ في البقاء على الصواب وتعميم فكرة الاستخلاف التي خُلقوا من أجلها

الأمل لا يأتي من الخارج، الأمل طاقة يولِّدها الجسم بل ويحتاج إليها كما يحتاج إلى باقي مقومات الحياة.. فلا يستطيع الإنسان العيش بدونه كما يستطيع أن يعيش بدون عضو من أعضاء جسده.. الأمل عند الإنسان هو بمثابة مقود السيارة.. لا بد له أن يتواجد بداخله للتحرك نحو الهدف وتحقيق الحُلم.. السيارة بدون مقود تبدو جميلة من الخارج ولكنها مُعطّلة! عاجزة عن تأدية دورها الذي صُنعت له، كالإنسان تماماً بدون أمل.. فهو إنسان شكلي ظاهري فقط، لا يستطيع التحرك إلى ما خُلق له، إنسانٌ خاوٍ من الداخل، ولكنه من الخارج يسُرُّ الناظرين؟

 

هل كُنت في الجنة هناك عندما أكلا أبوينا من الشجرة؟ ما الذي دفعهما لطلب العفو؟ أتعلم أنه نفس الشيء الذي نتحدث عنه، الإيمان الداخلي الذي يُطلق عليه "الأمل"؛ أملٌ في البقاء على الصواب وتعميم فكرة الاستخلاف التي خُلقوا من أجلها.. وهكذا بُنيَ مفهوم الخليفة في الأرض مع أول يوم على ماذا؟ على الأمل.

 

وهكذا امتدَّ الأمل مُلازمًا الأنبياء، فأوذي نوح عليه السلام ولم يمَل وأصرّ على دعوته ألف سنة إلا خمسين عامًا؛ كُل هذا كان وراء نفس الدافع "الأمل"، الأمل في أن يؤمن قومه وللوصول إلى عالمه الذي يحلُم به من عالمٍ عاصٍ لله إلى عالَم يعبد الله ولا يُشرك به شيئًا، فتمثل لأمر الله بصنع سفينة النجاة والوصول إلى الهدف بدافع الأمل والطموح والحلم بالعالم الأفضل.. فعل كل ما بوسعه وحرك كل طاقته نحو هدفه..

 

صنع السفينة ولم يأبه لحديثهم وشعاراتهم المحبطة دون كلل أو ملل لأن أمله ويقينه بالله كان أقوى من أي حديث، هل تعدّى ضيقك ضيقه؟ هل عانيت ما عانى؟ هل الدافع وراء هذا اليأس الذي يسكُنك له مبرِّرٌ أقوى ما دام استحق أن يتملّكك؟ تخيل نفسك بجانب سيّدنا نوح! هو بشر وأنت بشر، عاش حياة -أضعاف أضعاف حياتك- كُلها أمل وصبر وإصرار وإرادة؛ وأنت كم عمرك؟ كم عاماً عانيت؟ ماذا فعلت لتخرج من معاناتك؟

 

هل صادقت يوسفَ في السجن عندما سُجن ظُلمًا؟ هل تُراه استسلم لأمر السجن ويأس وأحاد عن هدفه لمُجرد ضيقة وقع فيها جورًا عليه من امرأة ضالّة.. أم أن الأمل كان حاضرًا فدفعه إلى مواصلة المسير نحو هدفه.. نحو تحقيق الحُلم.. رؤيتهُ وهو غُلام.. بعد بضع سنين وصل بالإيمان والأمل والصبر إلى المُلك، إلى "خَزَائِنِ الأَرْض".. الأمل الذي استمدَّ منه قوته عندما كان سجينًا، ليضع أول مواثيق الحُلم وجذوره {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي}، تحت سطوة مجموعة من الظروف القاسية.. الأمل في نشر الفكرة، الأمل في تعدّي المحنة وتحولها إلى منحة.

 

هل كُنت هُناك عندما تجاوزت أُم موسى ضَيقتها، لما أرادت "بأمر الله" أن تقذف فلذة كبدها في اليم، {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}، رُغم ضيق صدرها وعلمها أن هناك خطران، خطر الماء وخطر العدوّ، ولكن حضرها الإيمان على هيئة ربطٍ على قلبها {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} كان الأمل واليقين هما الرفيقان اللذان ساعداها على تجاوز الأمر.. هل كانت ضيقك مُتشابهاً أم أنك تيأس ولا تُريد للأمل أن يأتيك حتى علي هيئة ربط؟ رُبما يأتيك الأمل على هيئة ربطٍ على قلبك فتكون الثابت وسط آلاف المُنجرفين، والقائم وسط آلاف المائلين، المُتفائل وسط آلاف المُتشائمين.

 

هل كُنت تُراقب من بعيد أُمنا هاجر عندما تركها سيدنا إبراهيم في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولا بشر؟.. تعلق أملُها بالله فتمثلت لأمره، عندما أتاها جوابه بإيماءة من رأسه أن هذا أمر الله..
رأيت نتيجة تسليمها ويقينها أنَّ الله لن يضيعها؟ هل فكَّرت يومًا أن ما أنت فيه هو أمرُ الله؟ لو فكَّرت وسعيت بين صفا عملك ومروة حُلمك لأتتك الأماني على هيئة تنانير من أبسط الأمور، من قدم رضيع كان يبكي.

في يوم من الأيام كان الرسول صلي الله عليه وسلم هو المؤمن الوحيد على وجه الأرض.. ولكنهُ لم يستسلم لأنّ هُناك هدفاً يدفعهُ لإيمان صادق ويقين وأمل.. أملٌ في أن يهدي الله أحبابه وأهله..

كُل ما فعلتهُ يا صديقي هو الاستسلام لمخالب حوت الحياة الذي التهمك، وتأقلمت على عتمة بطنه وما فيها من كدر لتعيش دور الضحيّة.. هذا الدور الذي لا يجني سوى كدر على كدر، لو تلمَّست شَعاع النور المُنبعث من تنّورة الأمل التي بداخلك، لفعلت ما بوسعك حتى تخرج من ظلماتٍ داهمتك، لو التمستَ الأمل لأتاك على هيئة تسبيحة قد تُخرجك إلى جرف الحياة وتُنبت عليك يقطينة من محبة تأخذك إلى مائة ألف أو يزيدون.. إلى حُلمٍ خرجت منه يائسًا يوما لأنه لم ولن يتحقق بعد..{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} رٌبما أنت عالقٌ في ضيقك ومتاعبك لأنك لست منهم، فلبثت فيها كُل هذا! هل جربت أن تتجاوز ضيقتُك بتسبيحة؟

 

هل انقطع أملُك لأنك قد بلغت من الكبر عتيا؟ هل جربت يومًا أن تنادي نداءً خفيّا؟.. لم يجفّ يومًا بحر الإيمان والأمل الجاري في ربوع قلب "زكريا" عليه السلام، فدفعه بقوة إلى أن ينادي في الخفاء {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا}.. لا تذرني فردًا لمتاعبي فتنهشني وتضعني تحت مكابسها فتدهسني ولا أقوى.. لا تذرني فردًا فلا أقوى بدون "يحيى" الحياة ومرادها يأخذني كالكتاب بقوّة.. من جفاء اليأس إلي بَرَد الأمل.

 

هل جرَّبت أن تجمع أسباب يأسك وتضعها في سجدةٍ في لقاء خفيّ؟ لا.. لأنك لم تُصَبْ مُصابَهُ أوَّلاً.. ولم تتقنع بقناع أمله ويقينه ثانية.. رُبما يأتيك الأمل على هيئة نداء صادق في خفاء يُحوِّل حياتك من وحدة شاقة تملّك منها اليأس إلى "يحيى" يأتيك وبين طيّاته حُلمٌ يُنادي ها أنا ذاك أتحقق.

 

عندما يتملَّكُكَ اليأس وترى العالم ظلاماً دامسًا وسوادًا حالكاً، لا أحد معك، لا أحد ينصرك، عندما تشعُر بالوحدة القاتلة، فلا تستسلم لها، ففي يوم من الأيام كان الرسول صلي الله عليه وسلم هو المؤمن الوحيد على وجه الأرض.. ولكنهُ لم يستسلم لأنّ هُناك هدفاً يدفعهُ لإيمان صادق ويقين وأمل.. أملٌ في أن يهدي الله أحبابه وأهله.. أملٌ في أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبدهُ ولا يُشرك به شيئًا.. أملٌ في أن يعود إلى دياره بعد ما خرج منها.. أملٌ في أن يلتقي بأحبابه.. أملٌ بأن يلتقي بِكَ في الجنَّة.. يلتقي بِكَ حَالِمًا، طَامِحًا، سَاعِيًا وراءَ حُلْمِكَ وهَدَفِكَ بإيمانٍ وإرادةٍ وأمل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان