شعار قسم مدونات

اليوم العربي للنميمة الأدبية!

blogs الرواية العربية

قالها الروائي الفلسطيني ربعي المدهون، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) دورة 2016، عن روايته "مصائر: كونشرتو الهولوكست والنكبة" في منشور له على موقع فيسبوك، ولم أجد أفضل منها لوصف ما أريد التعبير عنه في هذه التدوينة…

 

إنه اليوم العربي للنميمة الأدبية والفتاوى الثقافية!

سيتم الإعلان يوم الثلاثاء 25 أبريل القادم عن الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) دورة 2017، في حفل كبير يقام بمدينة أبو ظبي الإماراتية، كافتتاح لفعاليات المعرض الدولي للكتاب بالمدينة، والذي ينطلق في اليوم الموالي.

 

كالعادة، يشكل هذا التاريخ وما قبله مناسبة لعموم المهتمين بالشأن الثقافي، من أدباء ونقاد وصحفيين وقراء، لمناقشة الأعمال المرشحة، وتوقع الفائز منها، ثم إطلاق الفتاوى حول أحقية العمل الفائز بحصوله على الجائزة.

 

نجد في هذا اليوم مهاجمة بعض الأدباء للجائزة ثم صمتهم بعد وصول أعمالهم إلى القوائم الطويلة والقصيرة، استبعاد أعمال لا تخدم توجها سياسيا وإيديولوجيا معينا رغم جودتها الفنية، تسريب خبر فوز رواية ثم الإعلان عن فوز أخرى

ولأنه وسط من الطبيعي أن تكثر فيه النميمة والثرثرة، فغالبا ما يتجاوز النقاش صلب الرواية، ليصل إلى تفاصيل متعلقة بصاحبها وهويته وخلفياته وقناعاته الدينية والإيديولوجية، لسبب بسيط هو أن هذه الجائزة (التي تعتبر حاليا أرفع جائزة أدبية عربية) تعودت على إثارة الجدل في اختياراتها وأيضا الحيثيات المصاحبة لترشيح أو فوز هذا العمل دون الآخر، وبعض الاتهامات هنا وهناك، عن محاباة وعلاقات ومحاصصة جغرافية، وكثيرا ما رافقتها حوادث جدلية وربما طريفة، كانسحاب أعضاء من لجنة التحكيم احتجاجا على تعرضهم لضغوطات غامضة، تضاد قناعات لجان التحكيم مع ارتسامات القراء (يمكن القول أن معظم الأعمال الفائزة حققت نجاحا جماهيريا لا بأس به، باستثناء عزازيل يوسف زيدان وساق البامبو لسعود السنعوسي وربما دروز بلغراد لربيع جابر بدرجة أقل، والتي تمكنت من الجمع بين استحسان النقاد وإعجاب الجمهور على حد سواء، وما زالت تطبع وتوزع حتى الآن، وبلغت عددا مهما وغير مألوف من الطبعات).

 

نجد أيضا مهاجمة بعض الأدباء للجائزة ثم صمتهم بعد وصول أعمالهم إلى القوائم الطويلة والقصيرة، استبعاد أعمال لا تخدم توجها سياسيا وإيديولوجيا معينا رغم جودتها الفنية، تسريب خبر فوز رواية ثم الإعلان عن فوز أخرى، إدراج رواية في القائمة الطويلة ثم استبعادها لخرقها بعض شروط الترشح، نشر القائمة القصيرة في حساب فيسبوكي قبل الموقع الرسمي للجائزة، إلخ…

 

تم إطلاق هذه الجائزة سنة 2008، بالتعاون مع مؤسسة مان بوكر البريطانية، تصل بموجبها 16 رواية إلى القائمة الطويلة، يتم اختيار 6 منها في القائمة القصيرة التي يحصل بموجبها كل روائي على مبلغ 10 آلاف دولار أمريكي، قبل الإعلان عن الرواية الفائزة التي يحصل صاحبها على 50 ألف دولار أمريكي إضافية، مع ترجمة العمل إلى اللغة الإنجليزية في محاولة للتعريف به على الصعيد العالمي.

 

فاز بالدورة الأولى المصري بهاء طاهر عن روايته "واحة الغروب"، ثم تتابعت الأسماء على الشكل التالي:

2009: المصري يوسف زيدان وروايته "عزازيل".

2010: السعودي عبده خال وروايته "ترمي بشرر".

2011: المغربي محمد الأشعري مناصفة مع السعودية رجاء عالم عن روايتيهما "القوس والفراشة" و "طوق الحمام".

2012: اللبناني ربيع جابر وروايته "دروز بلغراد".

2013: الكويتي سعود السنعوسي وروايته "ساق البامبو".

2014: العراقي أحمد سعداوي وروايته "فرانكشتاين في بغداد".

2015: التونسي شكري المبخوت وروايته "الطلياني".

2016: الفلسطيني ربعي المدهون وروايته "مصائر: كونشرتو الهولوكست والنكبة".

 

في حوار سابق، سألني الصحفي عن رأيي في الجائزة، فقلت بأنه يمكن قراءة ما أحدثته هذه الجائزة من وجهين مختلفين، فمن جهة، حركت البوكر المياه الراكدة في الرواية العربية، إذ عرف الميدان ازدهارا ملحوظا منذ عام 2008 (مرورا بالواقع الجديد الذي فرضه ما يسمى بالربيع العربي) وإلى غاية يومنا هذا، وتنافس الأدباء في تقديم أفضل ما تجود به أقلامهم من إبداع، بما يخدم إيجابيا الأدب العربي الباحث عن مكانة محترمة في المشهد الأدبي العالمي.

 

لكنها من جهة أخرى أنتجت من يمكن اعتبارهم "أدباء جوائز" يتخصصون في كتابة أعمال لترشيحها فقط، بغض النظر عن رأي الجمهور فيها، وأيضا بروز بعض التصنيفات التي تقسم الروايات المنشورة حاليا إلى "رواية بستايل البوكر" أو "رواية ليست بستايل البوكر" ويتعلق الأمر بتفاصيل محورية وحاسمة حول موضوع الرواية وعلاقته بالشأن المحلي والعربي الحالي، عدد صفحات الرواية، وأيضا هوية دار النشر التي قدمت العمل للترشيح، وغيرها…

 

وصلت إلى القائمة القصيرة لهذه السنة، 6 أعمال هي كالآتي:

"أولاد الغيتو" للكاتب اللبناني إلياس خوري.

"زرايب العبيد" للكاتبة الليبية نجوى بن شتوان.

"مقتل بائع الكتب" للكاتب العراقي سعد محمد رحيم.

"السبيليات" للكاتب الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل.

"في غرفة العنكبوت" للكاتب المصري محمد عبد النبي.

"موت صغير" للكاتب السعودي محمد حسن علوان.

 

أولاد الغيتو لإلياس خوري: عمل متعوب عليه، اعتمد فيه الكاتب على تقنيات سردية غير مألوفة، وقدم لنا ربطا غريبا بين سيرة الشاعر الأموي المثير للجدل وضاح اليمن

كنت أنوي مطالعة أعمال القصيرة، ومشاركتكم انطباعاتي حولها في سلسلة تدوينات أقدمها عبر مدونات الجزيرة، لكنني لم أتمكن للأسف الشديد من قراءتها كلها لتعذر الوصول إلى عملين من الأعمال الستة المرشحة، فاكتفيت ب 4 مراجعات يمكن للمهتمين العودة إليها في حسابي بموقع الفيسبوك، لكنني سأشارككم هنا

بعض الانطباعات والملاحظات السريعة حول ما قرأت:

* المستوى متقارب جدا بين الأعمال المرشحة، لا أعتقد بوجود إجماع حول عمل خارق للعادة وقادر على حصد إعجاب كل القراء.
 

* يمكنني تصنيف الأعمال المرشحة بين الجيد والجيد جدا، لا وجود لعمل ممتاز، ولا وجود لعمل دون المتوسط.
 

* المستوى المتقارب بين الأعمال المرشحة لا ينفي إعجابي ب "المغاربة" لعبد الكريم جويطي التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة، والتي أرى بأنها كانت تستحق مكانها في القائمة القصيرة (أسمع كلاما مماثلا عن "فهرس" سنان أنطون، لكنني لم أطالعها بعد)

    

بالعودة إلى المراجعات، يمكنني تلخيصها على الشكل التالي:

* أولاد الغيتو لإلياس خوري: عمل متعوب عليه، اعتمد فيه الكاتب على تقنيات سردية غير مألوفة، وقدم لنا ربطا غريبا بين سيرة الشاعر الأموي المثير للجدل وضاح اليمن (والتي قدمت من خلالها سلسلة تدوينات صندوق الحب قبل أسابيع)، ومأساة فلسطينيي مدينة اللد في نكبة 1948، لكنك تشعر أثناء القراءة بأن الرواية لم تقل كل شيء، وأن بعض الأفكار بقيت مبهمة، وبعض الخيوط مبتورة. فوجئت قبل أيام بحوار صحفي للكاتب يقول فيه بأنه يعتزم إكمال الرواية، معتبرا أن ما قرأناه مجرد "جزء أول". (لماذا لم تقل هذا منذ البداية؟)

 

* في غرفة العنكبوت لمحمد عبد النبي: عمل مميز سرديا، مع بعض التحفظ على الموضوع المطروح (المثلية وحقوق المثليين في مصر) وطريقة معالجته.
 

* زرايب العبيد لنجوى بن شتوان: عمل بسيط في لغته وتقنياته السردية، عميق في طرحه ودلالاته وقدرته على شد انتباه القارئ، يتناول موضوع العبودية في ليبيا بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
 

* موت صغير لمحمد حسن علوان: عمل ضخم، بحث تاريخي واضح ولغة متقنة ومناسبة للظرفية التاريخية التي تتناول سيرة الصوفي الأشهر محيي الدين بن عربي، لكن الرتابة و "البرود" سيطرا على العمل الذي افتقد (في نظري على الأقل) إلى تلك القدرة على شحذ حواس القارئ ودفعه إلى التهام الصفحات باستمتاع.
 

* السبيليات لإسماعيل فهد إسماعيل ومقتل بائع الكتب لسعد محمد رحيم: لم أعثر لهما على أثر في المكتبات المغربية، أو حتى في نسخ إلكترونية عبر الإنترنت.

 

عودتنا الجائزة (خاصة في السنوات الأخيرة) على صعوبة توقع العمل الفائز، لا يمكنني تقديم حكم نهائي ما دمت عاجزا عن الوصول إلى عملين من الأعمال الستة المرشحة، لكنني أميل إلى التعاطف مع "زرايب العبيد" لنجوى بن شتوان، فرغم المستوى المتقارب إلا أنها (في نظري على الأقل) تسبق الأعمال التي قرأت بخطوة صغيرة قد تكون حاسمة في صنع الفارق، ولكن "خبرة صغيرة" اكتسبتها من متابعتي لأطوار الجائزة في السنوات الأخيرة، تجعلني أتوقع فوز "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان بالجائزة في النهاية!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان