اخلق لشعبك عدواً، وأعطى شعبك سبباً للخوف، وسيهرع لانتخابك والقتال تحت رايتك، وسيقبل بأن يضحى بماله وحريته وكرامته في مقابل الأمن، كانت تلك النظرية التي ابتدعها وبرع في تطبيقها وزير الدعاية الألماني في الحقبة النازية "جوزيف جوبلز". ويبدو أن الإرهاب قد أصبح بمثابة العدو والمنقذ في آن واحد لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، فما إن وقع تفجير كنيستي "الغربية" و"الإسكندرية" حتى قام بعقد اجتماع سريع لمجلس الدفاع الوطني، خرج بعدها معلناً حالة الطوارئ ومخاطباً المصريين مطالباً إياهم كعادته بالثبات والتحمل وبذل المزيد من التضحيات لإكمال طريق النهوض بمصر، لافتاً الانتباه بأن هذا المسلسل الدموي لن يتوقف وتوقعوا الأسوأ في قادم الأيام.
لن نتطرق لجزئية من وراء تلك التفجيرات فسواء كان من قام بها تنظيم الدولة "داعش" الذي أصدر بياناً بتبني العملية أو أن نظام السيسي له يد فيها، فالنتيجة واحدة وهي أن المستفيد الأكبر إن لم يكن الوحيد هو النظام الانقلابي وحده. قام السيسي بإعلان الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وهو الحد الأقصى المنصوص عليه في المادة (154) من الدستور، حيث لا يجوز له أن يمدها إلا إلى ثلاثة أشهر أخرى فقط، بعد موافقة ثلثي أعضاء برلمان "عبد العال"، وكأنه كان بحاجة إليه ليقتل ويعتقل ويبطش بكل من يعارضه وهو ما يفعله منذ ما يقارب من 4 سنوات وسط صمت بل تواطؤ دولي. إصدار قرار بتشكيل المجلس الأعلى لمقاومة الإرهاب والذي ستكون له سلطات وصلاحيات واسعة على المؤسسات القضائية والإعلامية والقانونية والدينية.
توالت التصريحات المنددة بالحادث من مختلف الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي عاد السيسي من زيارته الأخيرة لها بخفي حُنين فتلقف بيان "ترمب" وكأنه بمثابة صك تأييد للإجراءات التي سيتخذها بحجة محاربة الإرهاب. سيلتف المسيحيون حول "السيسي" ويلتصقون به أكثر عكس ما يتوقعه الكثيرين، فقد تمكنت منهم فوبيا "الإسلاميين" وزاد عليها تهديدات تنظيم الدولة "داعش" المتوالية لهم، وتأكيد السيسي أكثر من مرة داخلياً وخارجياً بأنه حامي حمى الأقلية المسيحية وأنه إذا حدث تفجير أو اعتداء على كنيسة هنا أو عائلة مسيحية هناك فقد حميت باقي الكنائس والعائلات المسيحية.
سيضطر السيسي حتماً لاتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم ودون وجود أي فرصة حقيقية للاستثمار في دولة تعاني من الإرهاب ووضع أمني متدهور وتوغل مؤسسة الجيش المتنامي في كافة قطاعات الدولة الاقتصادية والخدمية |
الهروب إلى الأمام بالتلميح بأن هناك أطراف خارجية لم يسمها تقف وراء تلك الجماعات الإرهابية وتدعمها، مصوراً الأمر وكأن هناك قوى خارجية متحالفة ضده وتحاربه في محاولة لعرقلة مسيرة التقدم والرخاء التي تمر بها مصر والتي لا يراها إلا إعلام السيسي وحده ومؤيدي الجنرال الخارق ذو الخلفية العسكرية.
ستسنح للسيسي الفرصة باستغلال السلطات الواسعة التي يمنحها له قانون الطوارئ في ضمان الانصياع التام للمؤسسات الإعلامية، وتحجيم دور الأزهر الشريف واستمرارية مشروعه لتجديد الخطاب الديني، خصوصاً أن الخلافات بينه وبين شيخ الأزهر "أحمد الطيب" والذي لا يمكن عزله باتت واضحة ولا يمكن اخفاؤها والتي بدأت باعتراضه الضمني على مذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة عبر اعتزاله في مسقط رأسه بالصعيد ورفضه لتكفير منتسبي تنظيم الدولة "داعش" ورفض هيئة كبار العلماء والتي يرأسها الطيب دعوة السيسي إلى قانون يوثق الطلاق بدلًا من العمل بالطلاق الشفوي وقد بدأت بوادر هذا واضحة فقد انطلقت فورًا حملات إعلامية تتهم الأزهر بجزء من المسؤولية عن تلك الهجمات، وبأن الكثير من الكتب التي يتم تدريسها في ساحاته مليئة بالأفكار التكفيرية.
المريب في الأمر هو سرعة اقرار حالة الطوارئ ونشر قوات الجيش رغم أن التفجيرات لم تكن الأولى ولا الأعنف فقد سبقها مثلاً تفجير بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة في ديسمبر من العام الماضي والذي أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة العشرات، خرج السيسي بعدها معلناً اسم الفاعل رباعياً وسط تضارب الروايات حول الفاعل وطريقة دخول المتفجرات وحدث فيما يبدو تفاهم بين السيسي والبابا تواضروس وتم اغلاق ملف القضية دون الكشف عن أي تحقيقات أو تفاصيل بشأنها حتى يومنا هذا.
فما الداعي لإعلان الطوارئ الآن ونشر قوات الجيش بهذه الطريقة، هل هناك قوة ما يخشاها السيسي داخلياً بعد انفضاض الكثير من الشرائح المؤيدة له من حوله، بل أن بعضها بات يرى فيه خصماً لهم بعد أن قام باستغلالهم للقيام بانقلابه ثم انقلب عليهم وأقصاهم تماماً من المشهد بطرق مختلفة، كرجال مبارك وبقايا الدولة العميقة وأنصار شفيق وغيرهم من رجال الأعمال والموظفين الكبار، أم أنه بصدد اتخاذ قرارات قد ينتج عنها ردة فعل لن تستطيع قوات الشرطة التصدي لها بمفردها، خصوصاً بعد احالته لملف تيران وصنافير لتشريعية مجلس النواب بعد ساعات فقط من إعلان حالة الطوارئ.
سيضطر السيسي حتماً لاتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم ودون وجود أي فرصة حقيقية للاستثمار في دولة تعاني من الإرهاب ووضع أمني متدهور وتوغل مؤسسة الجيش المتنامي في كافة قطاعات الدولة الاقتصادية والخدمية، وبعد أسابيع قليلة من مظاهرات شهدتها عدة محافظات مصرية، احتجاجًا على قرار وزير التموين الذي يخص السياسة الحكومية لصرف الخبز المدعم، وهو ما أثار المخاوف لدي الكثيرين من أن يكون الهدف الفعلي من هذا القانون هو ضمان تمرير تلك الإجراءات.
يتضح من كل هذا أن تلك التفجيرات قد جاءت بمثابة فرصة ذهبية ستتيح للسيسي ونظامه الانقلابي التغلب على العديد من التحديات التي تواجهه، فرب ضارة نافعة وبالتالي فإن الإرهاب الذي يراه الجميع مشكلة وكارثة قد يكون بالنسبة للبعض هو الحل.