شعار قسم مدونات

إلى مَن تَكِلُنِي؟

blogs الدعاء

أن يغيبَ محبوبُكَ غياباً تدرِكُ ألّا لقاء في هذه الدنيا بعده، أن يواري التراب وجهَ حبيبٍ شاطركَ أدقّ التفاصيل من أجملها إلى أصعبها. أن تتبدّل الأرض عليكَ يومَ تفقد مَن كان مأواك وسكنك. كان فقدُ رسول الله لخديجةَ عليها السلام فقداً مؤلِماً؛ فخديجةُ رفيقةُ الدرب التي آوت ودعمت، خديجة التي ما فتئ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يذكرها طوال أيامه ويقول: "لا والله ما أبدلني الله خيراً منها". وتزداد الأيام ثقلاً على رسول الله إذ يموتُ عمّه الذي كان في مقام والده ومربيه، عمّه الذي كان له سنداً وظهراً، يموت عمّه على دين آبائه وأجداده فيزداد الحزن أحزاناً. يتبدّل وجه مكة أمام رسول الله، فلكأنها ليست مكة التي يعرفها؛ تتغيرُ وجوه القومِ ليزدادوا قسوةً فوق قسوتهم؛ فيرتحلُ للطائف طلباً لأمان، فإذا بالطائف تحملِ وجعاً آخر، وجعاً يُدمي الجسد ويؤلِم الروح. 

"إلى مَن تكلني؟".. اقرأها دعاءً يُروى عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلّا أني أسمعها بقلوب كلِّ مَن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. تتبدّل عليك الأيام، وربما تسلبكَ الحياة أجملَ ما كان عليها، علك تحاول أن تبحثَ عن فسحةِ أملٍ جديدة فلا تجدها. إذا أصابك حزنٌ أو فقد، وإذا ألمّ بكَ وجعٌ أو تعب، فافعل ما فعل رسول الله وادعُ بقلبٍ يلقي على عتباتِ الله كل أوجاعه. اشكُ لله ضعفاً ألمَّ قوتك، وقلةً أصابت حيلتك، وهواناً باتَ يحيطك. حدِّثه بقلبٍ يتلمّسُ أنسه: 

إلى مَن تَكِلُنِي؟ لا شيء في الكون يغنيني عنك، لا شيء يكفيني، لا شيء يلمؤ الرَوح طمأنينةً إلّا أنت؟ إلى مَن تَكِلُنِي، وأنا الضعيف الذي قويتَهُ بِك، وأنا الأسير الذي آويتَهُ إليك. إلى مَن تَكِلُنِي؟ إلى مَن تَكِلُنِي؟ ذنبي قَد يوجِبُ غضَبَك لكنَّ رحمتَك هي الأعظم. تقصيري قد يوجِبُ حرماناً لكنّ عافيتك هي الأوسع. أعوذُ بك من سخطك، أعوذُ بكَ من بعدٍ عنك. 

لا تحرم روحكَ معراجها عبر الصلاة، واجعل لها براقاً يحمِلُها ورفيقاً يَدِلَ بِرِحْلَتِها. قد يكون براقها مبادئ تحملها أو ثوابت لا تتركها. وقد يكون رفيقكَ أخٌ تلزمه، أو قلبٌ لا تدعه

عندما تضيقُ عليكَ الروح وتتقلص آمادها، اترك كل الآفاق والتزِم عتبات الله. ثق عندها أن فرجاً سيأتيك ليحملك من كل الأشياء، ويقرّبكَ إلى الله. سيلقى قلبكَ معراجاً، سيبحر في كونِ الإيمان عميقاً، سيطوف أماكنَ عدّة. لا تظنَّ يوماً أن حكاية الإسراء والمعراج معجزةً حدثت وانتهت. لا تظنّها عابرةً مضت وكأنها لم تأتِ، لا تعتقدَ يوماً أنها إحدى حكايا السير وقصصها. هي عقيدة إيمانٍ راسخٍ في روحك، عقيدة تلوح إليكَ كلما ألمَّ بِكَ ما يسوؤك. عقيدة تخبرك كل حين أن لهذا القلب معراجاً يملك أن يخلد إليه.

فلم يكن عبثاً أن فرضت في هذا المعراج الصلوات، لم يكن عبثاً أبداً أن تكون هدية هذي الرحلة الخالدة صلوات خمس ..ففيها معراجٌ يَنقُلُكَ مِن كُلِّ ما يطوفُ حولَ؛ لِتطوفَ أنتَ في مَلَكُوتٍ آخر .لا تحرم روحكَ معراجها عبر الصلاة، واجعل لها براقاً يحمِلُها ورفيقاً يَدِلَ بِرِحْلَتِها. قد يكون براقها مبادئ تحملها أو ثوابت لا تتركها. وقد يكون رفيقكَ أخٌ تلزمه، أو قلبٌ لا تدعه. 

عندما تمرُّ عليك ذكرى الإسراء والمعراج، وتستذكر كلّ تفاصيلها. عندما تقرأ أو تسمع عن رسول الله الذي أسريَ به إلى الأقصى، فصلّى بالأنبياء هناك. ثم عرجَ إلى السماوات وتنقّل فيها سماءً سماء، فشاهدَ من الكون مشاهد، ورأى في ذاك العالم صوراً. عندما تستذكر البراق وجبريل، وسدرة المنتهى وفرض الصلوات. عندما تسمع عن عودته لمكة وتكذيب القوم له. عندما تعرف كلّ تفاصيل الرحلة فتذكّر: قد كانت هذي الرحلة ليخبر الله – عز وجل – نبيه: إنّ لك في الكون مقاماً أكبر من مكة، ومكاناً أعظم من كلّ ضيق. فكأن الرحلة تخبرني وتخبرك نحن أيضاً بأنّ هذي الأرض بما جمعت لا تملِكُ أن تضيّق عليكَ سعةَ عطاء الله وكرمه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان