منذ أكثر من خمسة عشر سنة قرأت كتاب (من الذي حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟) للكاتب "سبنسر جونسون"، والذي ظلَّ على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في العالم لمدة خمس سنوات، والكتاب يشرح نفسه من مقدمته، فهو يروي حكاية رمزية تساعدك على التكيف مع التغيير في حياتك.
اثنان من الفئران يطلق عليهما (سنيف) و(سكوري) وقزمان آخران في حجم الفئران يتصرفان كالبشر وهم (هيم) و(هاو) يعيشون في متاهة تمثل المكان الذي نبحث فيه عما نريد، والجبن ما هو إلا استعارة مجازية عما تريد أن تحققه في حياتك؛ إما وظيفة مرموقة أو علاقة حب أو صحة أو الراحة النفسية أو غيرها.
كن مبادراً في تطوير نفسك من كل ما ينفعك في مجالك، وإياك والركون إلى الراحة، وكما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "اِحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز". |
سنيف وسكوري ذات يوم وهما يبحثان عن الجبن في محطة الجبن (ج) لم يجدوا الجبن فلم يستغربا من ذلك حيث كان الجبن في تناقصٍ يومي مستمر، وكانوا مستعدين لذلك بأنه سيأتي يوم من الأيام سيواجهون ذلك، فلم يفكروا كثيرًا في الأمر وظلاَّ يبحثان عن الجبن في مكان آخر دون يأس أو قنوط.. بينما هيم وهاو عندما وصلا ولم يجدا الجبن في المحطة (ج) صرخ هيم غاضباً وقال (من الذي حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟) لم يكن القزمان على استعداد مما حدث فكانا يتخيلان أن هذا الجبن سيظل معهم باقي العمر وأنه لا ينقص أبداً وكانوا يقومون بنفس الشيء يوميًا.. يذهبون كل يومٍ إلى المتاهة في البحث عن الجبن ولم يجدوه، فاقترح هاو على هيم أن يبحثوا عن الجبن في مكان آخر فرفض هيم الذي مازال غارقاً في دور الضحية.
مع البحث اليومي قام سنيف وسكوري باكتشاف محطة جبن جديدة تسمى (ن) وفي هذه الأثناء قرر هاو أن يبحث عن الجبن في مكان آخر ثم قام بكتابة عبارات على جدران محطة الجبن (ج) أولها (إذا لم تتغير فمن الممكن أن تفنى) ثم كتب (ماذا تفعل إذا لم تكن خائفًا؟) تحرك هاو نحو البحث عن الجبن وهو يعرف أن الجبن لم يختف فجأة بل أنه حدث نتيجة طبيعية للاستهلاك اليومي، وهو في رحلة بحثه وجد قطعاً صغيرة من الجبن يستطيع بها مقاومة رحلته، فرح بذلك وعاد إلى صديقه الذي رفض أن يأخذ منه الجبن ومازال مصرًّا على أنه المظلوم الذي ينتظر الجبن الخاص به، فقال له هاو إننا نقوم بفعل نفس الشيء كل يوم مرات ومرات ثم نتعجب من بقاء الحال كما هو عليه.
استاء هاو من صديقة وقرر أن يتركه وحده ويبحث جاهدًا عن محطات أخرى للجبن في أماكن أخرى وفي طريقه كتب بعض النصائح لصديقه على الجدران.. أولاً كتب له (اشتم رائحة قطعة الجبن من حين لآخر حتى تعرف متى يصيبها العطب)، ثانيًا (عندما تتحرك متجاوزًا شعورك بالخوف تشعر بالحرية)، وثالثًا (عندما تغير من معتقداتك ستتغير أفعالك).
نجح هاو في الوصول لمحطة الجبن (ن) وفكر في العودة إلى صديقه، ولكن قرر أن يدع صديقه يكتشف الطريق وحده، وبعد هذه الرحلة تعلم هاو بعض الأشياء المهمة فقد قرر في المرة القادمة أن يُعجِّل بالتغيير، وعَلِمَ أنه من السهل أن يعود كما كان عليه لو أفرط في الراحة، وقرر في أن يكون على علمٍ بالواقع واكتشاف أماكن جديدة بدلاً من الاعتماد على ما لديه الآن فقط وبدلاً أن يبقى في صومعته المريحة. ثم كتب على جدران محطة الجبن (ن): (التغيير يحدث، توقع التغيير، راقب التغيير، تكيف مع التغيير بسرعة، تغيير، استمتع بالتغيير، كن على استعداد لكي تتغير بسرعة).
في هذا العالم المليء بالصراعات والسرعة غير العادية؛ وجب علينا أن نأخذ بهذه القوانين جديًا خاصة وأن العالم لا ينتظر أحدا، فعلينا أن نستوعب الدروس التي تقولها هذه القصة الرمزية وما شركة "نوكيا" عنا ببعيد، حيث أهملت التطوير في هواتفها وسياستها المتبعة، فظلَّت راكدة مع استرخاء شديد وجُمود في القرارات، مما أوجب أن تكون فيما بعد محلاًّ للبيع، وبالفعل قامت شركة مايكروسوفت بشرائها، وفي حفل الختام الرسمي للبيع لم يتمالك المدير التنفيذي للشركة نفسه وبكى بحرقة وقال (لم أجد أي خطأً فعلناه)..
فقام بالرد عليه رئيس شركة مايكروسوفت (بل فعلتم، فقد توقفتم عن التطوير ولم تقدموا شيئا جديدًا فكانت هذه النتيجة)، وعلى الجانب الآخر تجد الكثير منا يحدث معه ذلك بشكل أو بآخر لأنه ترك نفسه للركون إلى الراحة والاسترخاء، فكانت النتيجة هي التأخر عن الجميع وعدم مواكبة التطور السريع الذي يحدث حولك، فكن مبادراً في تطوير نفسك من كل ما ينفعك في مجالك وإياك والركون إلى الراحة وكما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "اِحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".