قد تجلس مثلي يا صاح تفكّر، وتجد نفسك تتوه في معنى الحلم أو الوهم بلا حد يفصلهما، وحيّز يحويهما بل ويظهر حقيقتهما بلا لبس يعتريهما.. فالوهم والحلم ضدّان مفردان، كل منهما بعيدٌ عن الآخر، بعيدان بعد المشرق عن المغرب عن بعضهما، ومتضادان كطعم الحياة المتقلّب في فم الناهلين منها بين الحلو والمرّ في طعمهما، متعاكسان مقلوبان كصورتك عندما تنظر في مرآة الحياة، فأنت تراها كما أنت، لكن فرقا شاسعا يفصل حقيقة الحلم وسرابية الوهم.. تلك هي الحقيقة..
لم أسابق الريح يوما ولم أتوقع من نفسي كسر أرقام أو تحطيم شيء من الخوف الذي يملأ قلبي بأي شكل من الأشكال، لكنني في كل يوم بحاجة لمثل "فيليكس" لأقول لنفسي لا حدود لأحلامي بعد اليوم، لكنها الأوهام تقيّدني دون وجود شيء يمنعني في الحقيقة..
أجد أننا بحاجة ماسة لتحطيم الأوهام قبل تحطيم الأرقام.. عندها سنسقط باتجاه الجاذبية من كف الوهم الى كف الحلم.. وكلي يقين عندها أن الارض الرحيبة ستتلقانا عند السقوط بسلام.. |
وما أن تصل إلى سدّة أحلامك هناك، في أعالي الدنى، حتى ترى العالم الواهم هناك بعيدا عنك، بل وتجد نفسك عظيما لا تراوده الظنون، ستقفز عندها قفزة الجنون كما يقولون، حيث لن يمنعك شيء بعدها من تحطيم الأرقام، ستمشي باتجاه الجاذبيّة عندها، وسترى نفسك تقترب، إنك تقترب كثيرا من لحظات الانتصار، إنها إخفاقات الأوهام، وانتصارات الأحلام..
فالحلم صاروخ كبسولي منطلق يبتعد عن المألوف، ويمشي بعكس الجاذبيّة الأرضيّة حتى يخترق ويقلب موازين وحقائق القوانين، ففي إصراره على التقدّم إقدام، وفي سيره معاكسا جاذبيّة الأوهام أرقام سيسجّلها الحلم منتصرا على الوهم، تلك هي حقيقة الحلم..
أجد أننا بحاجة ماسة لتحطيم الأوهام قبل تحطيم الأرقام.. عندها سنسقط باتجاه الجاذبية من كف الوهم الى كف الحلم.. وكلي يقين عندها أن الارض الرحيبة ستتلقانا عند السقوط بسلام..
فما بين التحليقة والأخرى أحلام تتلاطم صعودا وهبوطا، فعندما تعتلي أمواج الريح تأخذني في رحلة ربّانٍ ماهر يقوده الموج علوّا فوق الأرض نحو السماء فقط هناك، حيث أجد أحلامي ترقد خلسة خلف كل النّجوم المتّقدة، فأوقظها عندما يعلو الصراخ، إنّه الطفل الذي ما زال يتشبّث بالحياة حبّا لها، فيصرخ فرحا بالصعود تارة ويحن إليه، ويصمت انتظارا لانتهاء الهبوط الاضطراريّ لرحلة أحلامه تارة أخرى..
فهل لي بقفزة في حياتي أكسر فيها حاجز الوهم تماما مثلك يا "فيليكس"! صعدت على أرجوحتي الصغيرة وبين شدّ وجذب لحبالها المهترئة بدأت أحلّق.. ما زالت لي رغبة في أن أطير عاليا بين ذراعيها لا آبه بشيء سوى أن أحلّق، فما زالت تجربتها تغريني وتلهيني عن هموم الحياة، عندما أغلق عيني فلا أنظر إلى أي شيء أو أحدّق، عندما تقذفني من بين ذراعيها متشبّثا بآمال الحياة من جهة وممسكا بحبال قويّة من جهة أخرى تمسكها السماء من الأعلى، حبال قد اهترأت من كثرة تلاطم أمواجها مع تلك الريح..
لم أعلم أن الحياة تحتوينا بأرجوحة كبيرة كما هي الحياة، وتأخذنا صعودا وهبوطا دون أن ندري، بل تؤرجحنا مع كل ريح، وترغمنا على التمسّك بها حتى تقذفنا مصابين بدوارها في نهاية المطاف.. لو علمنا ذلك ما تنازلت عن شوط من أشواطي قط، ولبقيت أتأرجح على أفق أحلامي حتى الآن، أوقظها رغما عنها مع كل صرخة صعود..
كانت الأرجوحة حلمي وفقط، وكانت الحياة في نظري تتلخّص فيها بين شوطين من الصعود والهبوط لا شيء بينهما سوى أحلام نوقظها صعودا ونغفو معها هبوطا، حتى كبرنا فبانت حبالنا المهترئة من بين أيدينا، وصغرت آفاق أحلامنا حتى نامت مع دغدغة تلك الحركات صعودا وهبوطا، عندها ما عدنا نرى السماء أفقا، والحبال لم تعد تربطها السماء فوق رؤوسنا فغادرناها عندئذ معلنين أننا قد كبرنا..
أفيقي يا أحلامي لقد بدأ "الشوط العّلاوي "..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.