شعار قسم مدونات

تشاد بين الطغيان والفوضى

blogs-chad
وفي صباح يوم جميل وإشراقه البهيج نادت السلطات التشادية نيابة عن الأم الحنونة فرنسا في البلاد المواطنين طالبة منهم الخروج جميعاً إلى ساحة الحرية للتعبير عن فرحتهم وسعادتهم من أجل نيل استقلالهم من العدو الغاشم للبلاد، وكانت المناسبة هي إعلان استقلال تشاد عن فرنسا، فعلاً لبى المواطنون الدعوة وخرجوا جماعة وفرادى لا يتركون صغيرا ولا كبيرا إلا وأخرجوه في ساحة الحرية للتعبير عن فرحتهم وسعادتهم.

وأثناء لحظة قراءة الرئيس "أنقرتا تومبلباي" بيان إعلان استقلال جمهورية تشاد، إذ التيار الكهربائي ينقطع فجأة، واستعان بنور "اللمبة" و"الفانوس" لإكمال هذا البيان الذي خرجت الأمة لاستماعه، ونجد هنا رسالة واضحة من المستعمر بأنكم رفضتم العيش تحت وصايته ورسالته التنويرية ولذا استقلالكم يعني انقطاع رسالة التنوير الزائف الذي يقوم به. وستبقون كذلك إلي يوم معرفة أين يكمن ضعفكم وإرادتكم.

مرت خمسون سنة على ما يزعمونه بالاستقلال، ورغم مرور هذه المدة لا نجد أي قطاع من قطاعات الدولة وضع قدما للتقدم، لا تعليم ولا صحة ولا رعاية اجتماعية ولا بنية تحتية.

في الحقيقة هو ليس استقلالا كما نعتقده أو يظنه البعض، بل استغلال بمعنى الكلمة، ولأنه يصعب عن اللص التخلي عن "الفص" خاصة إذا كان هذا الفص بحجم تشاد وثرواتها، ولو رجعنا قليلاً إلى التاريخ لوجدنا أنه في الأساس قدمت فرنسا للدول الإفريقية استقلالهم بشكل استفتاء، وقامت هذه الدول بالتصويت على بقاء فرنسا في إداراتهم، مما أدى إلى انحطاطهم وتخلفهم لهذه الدرجة، ما عدا غينيا التي كان يترأسها رجل ذكي (أحمد سكوتوري)، حيث رفض بمقولته الشهيرة "نحن نفضل الاستقلال مع الفقر على الاستعمار الفرنسي ورفاهيته".

كذب وإفتراء من يقول أو ينشر أن فرنسا أعطت تشاد استقلالها، لأنه يقال أن بعض "الفرنكوفونيين" ما زالوا يعملون على تجهيل الناس بجرائم فرنسا، وإيهامهم بأن الفرنسيين كانوا في سلوكهم أقرب إلى الملائكة، وفِي الحقيقة أن أشد الوحوش ضراوة كان أكثر لطفاً من الفرنسيين، ولو فرضنا أن فرنسا قد قدمت لنا استقلالا مزيفا وعلى طبق من ذهب، أو لم تكن إلى الآن لاتزال تحتفظ بقاعدة عسكرية جوية في قلب العاصمة "انجمينا"، بل في وسط الأحياء السكنية، وما زالت تتسبب في المزيد من التلوث الضوضائي الذي يتسبب في إلحاق الكثير من الأذى بالمواطن البسيط بسبب الضجيج الذي تسببه الطائرات العسكرية، حيث يصاب الأطفال بالصمم والنساء بالإجهاض.

وهذا الجيش موزعٌ على الأراضي الوطنية بحسب المناطق الاستراتيجية، وعددهم يتزايد عن ستة آلاف عسكري، ويقال أن هؤلاء الجنود يستبدلون بآخرين بعد كل ثلاث سنوات، علما بأن العائدين إلى فرنسا يعودون وفي حوزتهم تقارير سرية كاملة خلال فترة عملهم في الوطن.

لا مجال في تشاد للثقافة، لا برلمان يناقش القوانين، بل هناك تقدم ملموس في مجال الرشوة والمحسوبية والشعوذة والتخلف ومحاربة الإسلام واللغة العربية.

مرت خمسون سنة وفرنسا تخطط لضرب بعضهم بعضا، وتكسب وتتزايد مكتسباتها، والحكومة التشادية مهددة من باريس، لا تستطيع حتى التوقيع على ورقة في عملية صنع القرار إلا بأمر منها، لا تفكّر في التخلص منها، ولا بقيام محاولة تشبه ذلك، بل الجميع، سواءً أكان المعارض أو غيره يفكر فقط في كيفية التعايش مع بقاء فرنسا في الإدارة التشادية.

مرت خمسون سنة على ما يزعمونه بالاستقلال، ورغم مرور هذه المدة لا نجد أي قطاع من قطاعات الدولة وضع قدما للتقدم، لا تعليم ولا صحة ولا رعاية اجتماعية ولا بنية تحية، والاقتصاد في الحضيض، ناهيك عن المجاري المائية في قلب العاصمة، التي يوهم البعض ويسميها بمرآة إفريقيا. لا  مجال في تشاد للثقافة، لا برلمان يناقش القوانين، بل هناك تقدم ملموس في مجال الرشوة والمحسوبية والشعوذة والتخلف ومحاربة الإسلام واللغة العربية وحروبا أهلية! هذا فضلا عن ظاهرة تصفية الحسابات وعملية تكميم الأفواه.

تخيل أن انقطاع الكهرباء لحظة إعلان استقلال تشاد قبل خمسون سنة، واليوم بعد نيل استقلالها الزائف انقطع الماء والطعام في وقتنا الحاضر، والمواطنون يبكون ببطون خاوية وصدور حاوية وعقول هاوية، ولا ندري أيهما متآمر على الشعب! أهي الحكومة الحالية أم فرنسا. ولكن هل انقطاع الكهرباء أثناء إعلان استقلال تشاد يعني أننا نظل نعيش في ظلام للأبد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.