شعار قسم مدونات

حال الإنسان بين"الأنا" و"نحن"

blogs - human
إن بني الإنسان يعيش في شقاء دائم بسبب تسلط بعضهم على البعض، عكس باقي الحيوانات التي تشقى بسبب نوع على آخر، في حين تجد النوع الواحد يعيش نوعا من التلاحم والتعاون في تأمين سبل العيش الكريم وتوفير الأمن والطمأنينة للقطيع. في حين نجد الإنسان الذي لا يختلف عن أخيه الإنسان إلا في الفكرة أو الشعور يقتل أخاه الإنسان ويعسر عليه الحياة لا لشيء إلا لأنه مختلف معه في الفكرة والشعور وربما اللون أو الملامح، لكن في الأخير يبقى إنسان يقتل إنسانا، وإنسان يكيد لأخيه الإنسان. هنا يأتي السؤال، لماذا؟ هل يمكن أن تكون الأنا هي السبب؟ أم أن هناك مفاهيم تغيب عن الإنسان يشقى بسبب غيابها.

أهداف الإنسان الذي يمارس الأنا:
جاء في الكوجيطوا الديكارتي في عبارته الشهيرة التي يرددها أهل الفلسفة كثيرا المتمثلة في قوله "أنا أفكر إذن أنا موجود" مكرسا الأنانية في وسط الدارسين لهذا الكوجيطو، حتى وإن كان الفيلسوف ديكارت يقصد به الخروج بالإنسان من الحيوانية إلى الإنسانية بالتفكير، غير أنه حصرها في الأنا، ربما كون كان وحده في غرفته، محيطا باهتماماته ورغباته. ولذا يمكن أن نحصر الأنانية في الأمور التالية:
الأنانية في شخص واحد: فهذه الأنانية تشغل شخصا واحدا في تفكيره، وفي أهدافه وانشغالاته واهتماماته، ذلك دون أن يشرك الغير معه، رغم أنه محيط بالناس، وأحيانا يطلب منهم مساعدات لتحقيق غاياته وأهدافه. وقد تشكلت بهذه الأنانية أمراض اجتماعية خطيرة يصعب علاجها. وذلك مثل تضخم الأنانيات الفردانية التي تتضخم أطماعها وأهدافها، لتأتي على باقي الإنسان وتزيحه عن طريقها من أجل تحقيق اطماع الأنا.

"نحن" تستدعي العمل على الحد من انتشار "الأنا" وأن تغير هذا المفهوم لتكون حركة الإنسان وأهدافه خادمة للإنسان جميعا، وهي في نفس الوقت تخدم الفرد.

الأنانية التي تغلفت بالجماعة:
وهذه الأنا تكون بسبب تضخم الأنا الفردية، وبسبب أطماعها التي لا تكون إلا في جماعة، تستوجب وجود جماعة من المستخدَمين للوصول إليها، وذلك مثل أنانية فرعون التي حكاها القرآن الكريم في قوله تعالى: "قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"، قالها فرعون عندما حاججه موسى عليه السلام وقدم له الأدلة الباهرة التي تدحض ألوهية أنانيته وإثبات وجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته. فهذه الأنانية الفرعونية لها أنصار يخدمونها ويعملون على الحفاظ عليها، غير أن نبوة سيدنا موسى جاءت لوقف تغولها وتضخمها لإرجاعها إلى أصلها وتذكير الإنسان بأصلها وغاية وجوده في هذا الكون.

ومن هنا يمكن القول بأن الأنا إذا تضخمت وعملت على تحقيق أطماعها خارج التفكير الجماعي للإنساني فإنها تخرب باقي الإنسان وتخرجه عن الجادة والغاية الحقيقية التي وجد من أجلها، ولذا نشهد شقاء الإنسانية اليوم بسبب هذه الأنانيات المستعلية الإقصائية لباقي الانسان.

ومن خصائص الأنانية بشتى أنواعها خاصية الصراع، مع الإنسان الذي تحسبه خطرا أو تهديدا لفنائها، وذلك كما قال فرعون ومن هم على شاكلته: "قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ".

وفي مقابل التفكير الأناني هناك تفكير جماعي الذي عبرت عنه بـ"نحن"، ويمكن أن نعبر عنها على منوال ديكارت "نحن نفكر، إذن نحن موجودين"، وهذا الكوجيطوا الجماعي بدأ يظهر في بعض المؤسسات والجمعيات بالعالم، غير أنها لا تنجح في كثير من الأحيان، كون الأنانية سرعان ما تتغلب عليها وتجر الباقي لذلك. ولذا لا بد لهذا الكوجيطوا الجماعي من تأسيس وتقعيد فكري يتوافق عليه باقي الإنسان دون إقصاء أو ممارسة للمحاباة، كما هو الأمر مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي لا تتحرك فصوله عندما تنتهك في الإنسان المستضعف المغلوب على أمره كما هو الشأن مع أطفال سوريا ـ على سبيل المثال- الذين يموتون بأسلحة ممنوعة دوليا وإنسانيا دون أن يتحرك هذا الإعلان العالمي.
ولذا فالكوجيطوا الجماعي من أساسياته نكران الأنا بشتى أشكالها العنصرية التي تمارس عن طريق الفرد، أو عن طريق جماعة ضد الانسانية.

يمكن القول بأن المتضخمة في عصرنا هي سبب الصراعات والحروب التي يشقى بسببها المستضعفون، وللحد من هذه الصراعات وهذا الدمار لابد من إحياء التفكير الجماعي.

كما أن "نحن" تستدعي العمل على الحد من انتشار "الأنا" وأن تغير هذا المفهوم لتكون حركة الإنسان وأهدافه خادمة للإنسان جميعا، وهي في نفس الوقت تخدم الفرد الذي يعتبر حلقة من حلقات التفكير الجماعي، دون محاربة التميز والمنافسة الشريفة التي تخدم الوجود الإنساني.

ومن خصائص "نحن" أيضا أنها تعمل بقاعدة المدافعة، وهي عكس "الأنا" التي تسخدم الصراع المؤدي إلى الدمار والقتل أو النفي. والمدافعة تعني دفع الفكرة بالفكرة والمشروع بالمشروع، تاركة للإنسان حرية الاختيار، وذلك مبين في كتاب الله تعالى في قوله: "لا إكراه في الدين". وقد جسد هذه القاعدة الربانية رسول الله في المدينة عندما ترك حرية الدين للإنسان دون أن يحارب اليهود ولا حتى المشركين. ولم يحاربهم إلى بعد أن تضخمت لديهم الأنا وقاموا بخرق المعاهدة واعتدوا على المسلمين.

وفي الختام يمكن القول بأن المتضخمة في عصرنا هي سبب الصراعات والحروب التي يشقى بسببها المستضعفون، وللحد من هذه الصراعات وهذا الدمار لابد من إحياء التفكير الجماعي والخلاص الجماعي، دون اعتداء أو تعصب أو دمار، ولابد من معاقبة الأنا المتضخمة إن لم تلتزم بالصلاح الجماعي والتواجد الجماعي في هذه السفينة التي خصها الله تعالى للإنسان كسفينة في بحر هائج موار ترتفع أمواجه إلى سطح السفينة، وعلى أهل السفينة الحفاظ عليها كما هي والعمل على صونها وتطويرها في المجال المسموح بذلك دون إحداث خرق فيها أو تقسيمها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان