كُل إنسانٍ تمرُ عليه مرحلةِ ما؛ يكون فيها عَكِرَ المزاج.. لا يطيق الكلمات.. بل وتجرحُه صغار الأمور.. يتلاشى صبره وتتقيد بصيرته ويُصبح الغضبُ وسيلته، تجده مبعثر الحال.. مشتت البال.. شارد الذهن، ارتسم وجهه بعلامات الأسى، واختفت ابتسامته التي كانت تجعلنا سعداء؛ وتجدنا نصادفه حين ذاك فينالنا نصيباً من نَتاجِ حالته وقِسطاً من ضيقته فيكون أثر ذلك علينا بالسلب، ويُسيطر علينا مفهوم بُعد المسافات بينه وبيننا، وأننا لا نستطيع فهمه أو أن شخصيته لن نستطيع التعامل معها مطلقاً وكأنه على وتيرة الغضب والشدة ثابت وكأننا سنخوض المعارك معه دائماً فلا نفكر في خلق الأعذار له، ويصبح الابتعاد الحل الأوحد أمامنا لما أصابنا منه.. فنقرر الرحيل ونتركه خوفاً من موجه الأسى التي قد ينالنا نصيباً منها وكأننا لا نقع في مثل حالته! ولا يصيبنا أحياناً تلك الضيقة وتلك الضغوط!
حينها نحتاج للفرج أن يقدم ولجميل القدر أن يَحل ولكرم الله أن ينهال.. فتجدنا نتمنى هواءً نقياً.. أو سماءً ممطرةً أو طريقاً طويلاً نمشي فيه ونسقط من التعب |
تلك الحالة التي لا يُعرف سببها أحياناً، فقد تكون نتيجة تصادم الواقع مع الأمنيات أو عاقبة الخطيئات أو ثقل الهموم والتراكمات أو حتى أنها مرار الذكريات أو عجيب المفارقات أو حُمى المقارنات فهي تظهر دون سابق مقدمات وقد يكون السبب الأكبر عند تزايد المسؤوليات وتزاحم الأولويات.. تلك الحالة تجوب بداخلنا حين نبحث وسط همومنا عن الاحتواء فنجدنا بعيداً عنه.. نبحث عن الحب فنجده لا يقترب منا..
نبحث عن الأهل والأصدقاء فنجد الكل غارقاً في هموم الحياة نبحث عن القرب من الله فنجدنا مقصرين! فنصاب بخيبة الأمل ونرى الظلام الدامس من حولنا فنغرق في حالتنا المأساوية ننتظر الفرج ونبحث عن المخرج، وتتبادر الأسئلة في الأذهان: تُرى أليس لزوال الهموم موعد أو للراحة مكان؟! ألا تهون علينا الهموم وتضحك لنا الحياة!
حينها نحتاج للفرج أن يقدم ولجميل القدر أن يَحل ولكرم الله أن ينهال.. فتجدنا نتمنى هواءً نقياً.. أو سماءً ممطرةً أو طريقاً طويلاً نمشي فيه ونسقط من التعب، فمنا من تجده يضع همه في تناول الأطعمة بشراهة.. وآخر النوم هو سبيل هروبه.. وهناك من يكون البكاء هو حيلته الوحيدة، وآخر حالته يرثى لها فالانهيار أصبح داءه.
اختلفت أسباب تلك الحالة.. واختلفت وسائلنا للخروج منها! ولكننا اتفقنا جميعاً.. أننا في حاجة لكرم الله وعطائه ومن بعده وجود الأحبة في تلك اللحظات.
قد يكون وجودهم تخفيفاً لحالنا.. وقد يكونوا هم سبباً لما نحن فيه. لكن حتماً أن هنالك همٌّ أصابنا.. ودواء ذلك الهم.. هو أن نستعيد أنفسنا بعيداً عن تلك المنغّصات فنتذكر جميل حياتنا ونتناسى همومنا ونحاول أن نحسن الظن بمن أسرونا بسوء أفعالهم ولنرمي الهموم ونتوكل على الحي القيوم. فإنه لا ملجأ لنا سواه.. ولا مخرج لنا إلا بكرمه، ولنحيا تلك الحياة بـ"النسيان وحسن الظن بالله" فإنهم نِعمٌ لا تقدر بثمن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.