سأتناول اليوم قصة جون رابي الرجل الألماني الذي لقبه أهالي مدينة نانجينغ بالرجل الطيب، بينما يسميه كاتب هذه السطور بالنازي الرحيم، الذي عاش حياته ومات دون أن يحظى بتكريم في وطنه كواحد من الأبطال، وكما أسلفت آنفا أن الكتابة عن جون رابي ليست هروبا من الواقع بل عرفانا وإيمانا بالدور الإنساني الذي لعبه هذا الرجل في فترة الغزو الياباني للصين.
والدافع الأكثر أهمية للكتابة هو صور أولئك الأطفال القتلى والأمهات الثكلى التي ملأت الصحف ووسائط التواصل الاجتماعي وقدرة الأمم المتحدة وغير المتحدة على التعبير عن قلقها في مثل هذه المواقف بعد الدعوة لاجتماع طارئ لترديد العبارة القديمة المتجددة لن يحدث ذلك مجددا، ولكنه يحدث في المرة القادمة أسوأ من التي كانت من قبل ودونكم أحداث خان شيخون.
ترى هل سنشاهد جون رابي في حماة وإدلب والموصل وغيرها من المناطق التي تضج بالفوضى.. فكم من الأبرياء الذين يقتلون كل يوم؟ وكم من مجازر تحدث تحت مرأى ومسمع الأمم المتحدة. |
تتلخص قصة هذا الرجل إبان الغزو الياباني للصين وخصوصا مدينة نانجيغ التي كانت عاصمة الصين حينذاك، وقدرته على إنقاذ أكثر من 250000 صيني عن طريق تأسيس منطقة دولية آمنة مع أصدقائه الأجانب، قد يبدو للبعض أن فعل أمر كهذا بالأمر اليسير، ولكن الناظر لظروف تلك المرحلة يدرك جيدا أن هذا الشخص خاطر بحياته من أجل أولئك العزل، إذ إنه عضو في الحزب النازي الذي كان على حلف مع اليابان، ليس ذلك فحسب، بل استخدم العلم النازي حول المنطقة التي آوى فيها المواطنون لتبيان أن هذه منطقة ألمانية، مما منع الجيش الياباني من القيام بهجمات عسكرية في هذه المنطقة.
بدأ رابي عملية الإنقاذ عن طريق استقبال ٦٠٠ شخص أغلبهم من النساء والأطفال في حديقة منزله، وعندما ضاق بهم المكان أخذ في توسيع المنطقة حتى وصلت ٤ كيلومتر مربع.
لم يبعث جون رابي برسائل لقيادة الحزب لمعرفة رأيه في كيفية التعامل مع الحليف الذي غزا المدينة، وهل عليه القيام بأي فعل لحماية المدنيين، بل إنه لم يفكر حتى بالعواقب وهو يغرد خارج سرب التحالف الألماني الياباني.
تم تحويل منزل جون رابي في العام 2005 من قبل سلطات حكومة نانجينغ إلى متحف ومزار سياحي بارز، ليس لأنه ولد ببكين أو نانجينغ أو أي من المدن الصينية، فهو من مواليد مدينة هامبورغ في العام 1882، وتوفي عام 1950، بل تكريماً له على ما قدم.
غادر رابي نانجينغ عام 1938 إلى شانغهاي، ومن ثم عاد لألمانيا مصطحباً معه مجموعة من المستندات والأدلة التي وثقت لانتهاكات الجيش الياباني، تم أسره بعد الحرب من قبل المخابرات السوفيتية، ومن ثم الجيش الإنجليزي ولكنه تم إخلاء سبيله في المرتين.
ما يحزنني حقا هو أن هذا الرجل استطاع لوحده أن يوقف قتل أكثر من 250000 شخص مع التوثيق لكل الأحداث التي جرت حينذاك، ولم تستطع الحكومات والمنظمات الأممية من إنقاذ الأبرياء الذين يقتلون كل يوم.
ترى هل سنشاهد جون رابي في حماة وإدلب والموصل وغيرها من المناطق التي تضج بالفوضى.. فكم من الأبرياء الذين يقتلون كل يوم؟ وكم من مجازر تحدث تحت مرأى ومسمع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ولا يحرك ذلك ساكنا؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.