شعار قسم مدونات

نماذج من إدارة وزارة الخارجية الأمريكية

blogs-department of state
حاولت جاهدا التعرف على السبب الذي منع ترامب من تعيين وزير خارجية له خبرة وتجربة في الشؤون الخارجية، إلا أنني لم أجد اجابة واضحة، تعيين "ريكس تيلرسون" كوزير للخارجية الأمريكية كان بعدا اقتصاديا بحتا، والذي قادني لهذا الاعتقاد هو التاريخ الحافل للرجل في عالم البزنس وشراكته الاقتصادية القوية للجمهوريين في مشاريعهم على مدى سنوات طويلة.

وإذا عدنا قليلا إلى التاريخ الحديث للولايات المتحدة، فسنجد نموذجين لعملية اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية يعكس كل منهما طريقة تصرف الرئيس وإدارته للشؤون الخارجية، تشكلت ملامح النموذج الأول في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جون كنيدي، حيث يعتمد الرئيس في اتخاذ قراراته بما يتعلق بالسياسة الخارجية على معلومات مستشار الأمن القومي، وبهذا تؤخذ القرارات دون الأخذ بالحسبان رأي وزير الخارجية في غالبية الأحيان، والذي يتحول دوره إلى "منفذ" للسياسة التي لا يشارك في رسمها.

تشكلت ملامح النموذج الأول في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جون كنيدي، حيث يعتمد الرئيس في اتخاذ قراراته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية على معلومات مستشار الأمن القومي.

سار على نفس هذا النهج الرئيس الأمريكي ريتشارد نكسون في ولايته الأولى، فقد لعب هنري كيسنجر حين كان وزيرا للأمن القومي حينها دورا فعالا جدا في رسم السياسات الخارجية الأمريكية على حساب وزير الخارجية حينها وليام روجرز الذي بقي في الظل ولم يظهر في الصورة. 

النموذج الثاني بدأه بشكل واضح الرئيس جيرالد فورد، حيث يكون الرئيس بعيدا عن أغلب مجريات اتخاذ القرارات التي تتعلق بمسألة العلاقات الخارجية، وأحيانا بنفس الشخوص التي أدارت مواقع مختلفة في إدارات سابقة، هنري كيسنجر كان محددا أساسيا للسياسة الخارجية في عهد الرئيس جيرالد فورد أثناء عمله كوزير للخارجية، على اعتبار أنه شخصية قوية لها علاقات ممتدة مع مختلف الدول. 

الإدارة الاميركية الجديدة هي خليط من النموذجين، فترامب يحاول التركيز في الفترة الحالية على القضايا الداخلية حيث عقد البيت الابيض عشرات المؤتمرات الصحفية غالبها بخصوص القضايا الداخلية على مستوى الاقتصاد والصحة وهما القطاعان المؤثران في السياسة الداخلية والحاسمان للانتخابات القادمة، لكن ترامب وضع بعض الأسس حول السياسات الخارجية أثناء وبعد حملته الانتخابية، فمن جهة يريد الابتعاد عن معترك السياسة الخارجية ويركز في القضايا الداخلية، ومن جهة أخرى يريد أن يكون مؤثرا فيها.

تعيينه "تلرسون" كوزير للخارجية يدل بأن رغبته في تحقيق هدف "امريكا أولا" لم تعزز بتعيين وزير خارجية صاحب خبرة دبلوماسية ويحظى بثقه كبيرة، نتيجة لتواضع خبرة وزيرة الخارجية بدا أن أختياره جاء لتشكيل نموذج ثالث، أسميه ب"النموذج المتوازن"، حيث سيبقى للرئيس سيطرة على السياسيات الخارجية دون أن يدخل معتركها، وبذلك سيكون وزير الخارجية كبش فداء لاي إخفاق في هذا الملف.

هذا الاستنتاج عززته أفعال وزير الخارجية الحالي عبر تغيبه عن معظم اللقاءات السياسية الهامة التي جرت مؤخرا في واشنطن بين الرئيس ترامب وبين رئيس حكومة كندا ورئيس حكومة اليابان و إلغاء مشاركته في مؤتمر وزراء خارجية الناتو في الشهر القادم، وظهوره القليل في المؤتمرات الصحفية. هذا الخلل في وزارة الخارجية ستستغله أطراف أخرى لها مصالح قوية لاستغلال هذه الثغرة مثل المستشار الاقتصادي المقرب من ترامب ستيف بانون، وصهره الشاب غارد كوشنر، والطرف الثالث في المثلث سيكون المستشار الأول للأمن القومي في ولاية ترامب، مايكل فلين، وهذا على خلفية علاقته الوثيقة مع موسكو وأنقرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.