شعار قسم مدونات

خواطر أُم مرهقة

خواطر
الساعة الآن الثانية والربع بعد منتصف الليل، وأنا ما أزال أتقلب في السرير لأكثر من ساعتين، بينما تتقلب عليّ المواجع بلا هوادة. فاشلة هي محاولاتي في الاسترخاء تماما كفشلي في إدارة وقتي وإرضاء زوجي وإنجاز مهام المنزل المتراكمة، وطبعا الاعتناء بأطفالي كما يجب.

جربت مرارا إجراء تمارين التأمل التي تعلمتها علّني أنجح في إجبار جسمي المستنفر على النوم، لكني وجدت نفسي أتأمل أكوام الغسيل التي تحتاج إلى طي، وأتأمل ابنتي التي نامت باكية لأني أخلفت بوعدي لها بأن نعدّ كعكة الشوكولاتة التي تحبها، ثم أتأمل أطباق العشاء المكوّمة في الحوض التي تتأملني هي الأخرى كلما دخلت المطبخ.

قلبي يدق بشدة وجسمي يهتز لوحده من فرط التعب، وذاكرتي صَحت في غير وقتها. أنا أم مرهقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مرهقة جسديا حد الإنهاك، ومرهقة نفسيا حد الإحباط، حياتي خرجت تماما عن السيطرة، أعيش يومي بلا أي قدر من التنظيم وبأقل قدر من الإنجاز، تتراكم على كاهلي يوميا المهام المتأخرة والأحلام المؤجلة بينما يتنامى في داخلي الشعور بالعجز، أعيش بأنصاف الحلول وأتنفس هواء العشوائية بعد أن كنت انتقائية لأبعد الحدود.

الأمومة رحلة سمِعْت عنها كثيرا ولم أخُضها، وها قد خضتها، هي كعاصفة لا تبقي ولا تذر، "تخربط" كيانك وتشقلب أولوياتك وتعيث فسادا بنموذج عاداتك، ولا تتركك إلا وقد أخْرَجت كل ما بداخلك من أنانيّة و أمراض تمركز حول الذات

بدأ نَفَسي يضيق وأطرافي ترتجف بينما يتصاعد صدى شخير زوجي في أذنيّ، يا إلهي أنا لست على ما يرام! أريد فقط أن أنام أو على الأقل أن أسترخي، ليتني أستطيع البكاء فأنام بعدها كطفل أفرغ كل ما بجعبته. لقد اعتقدت أن الاعتراف لنفسي بالمشكلة بعد مكابرة طويلة سيريحني قليلا ويوقف زنّ دوامة الأفكار على عقلي المنهك. لا أدري ماهي مشكلتي حقّا هل ما أنا فيه بوادر اكتئاب أم مجرد إنهاك طويل الأمد أم هو شعوري بالتقصير قد أصابني في مقتل.

استجمعت بقايا قوتي ونهضت إلى غرفة الجلوس، ارتميت على الأريكة وأغمضت عينيّ لبضع دقائق ثم اعتدلت وأمسكت بقلم التلوين الأحمر المبعثر مع أصحابه على الطاولة، قَلَبْت الورقة التي لوّنَتْها صغيرتي على وجهها الآخر وشرعت أخط ما يعتمل بصدري كما كنت أفعل عندما كنت في مثل سنها أو أكبر قليلا.

كتبت على الورقة: سأكون بخير إن شاء الله، أعلم أنني سأكون بخير… هي فقط كبوة حصان تعب من طول المسير وزلة قدم فارس لم تغادر عيناه الهدف.. الأمومة رحلة سمِعْت عنها كثيرا ولم أخُضها وها قد خضتها، هي كعاصفة لا تبقي ولا تذر، "تخربط" كيانك وتشقلب أولوياتك وتعيث فسادا بنموذج عاداتك، ولا تتركك إلا وقد أخْرَجت كل ما بداخلك من أنانيّة و أمراض التمركز حول الذات. هي رحلة قد تضاهي صعوبتها متعتها في أسوأ الحالات، تعتمد على مدى كفاءة لاعبيها، فإن لعبْتها كما يجب كسبْت متعةً في الدنيا وجنّةً في الآخرة، أعترف أني اليوم قد خسرت متعة هذه الجولة، لكن لا بأس فغدا يوم جديد.

سأنهض الآن لألقي نظرة على صغاري وهم نائمون، وأطبع قبلة على جبينهم الملائكيّ، ثم أعد كوبا ساخنا من الشاي، وسأبحث في التلفزيون عن فيلم أشاهده، وغالبا سأغفو على الأريكة قبل أن أنهي كوب الشاي، وسأصحو عند الفجر على صوت زوجي يوقظني وهو يقول: "ما الذي أتى بكِ إلى هنا!" وسيأخذ بيدي إلى السرير وأنا شبه نائمة، ثم سيغطيني بحنان ويمسح على شعري قائلا: "نامي قليلا يا مسكينة قبل أن يستيقظ الصغار".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.