القدس يا وردة الذاكرة.. ويا تسبيح الحمائم.. يا أول العشق وأول الصلوات.
يتهمونَني بأنني أنحازُ إليكِ.. لفلسطينَ، ولا أكتبُ عن الجراحِ الأخرى..
أنحازُ للجُرحِ الفلسطينيِّ لأنَّ الجُرحَ بدأَ فلسطينيًا وامتَدَّ واتّسَعَ لبلادِنا من المحيطِ إلى الخليجِ!
تبعثُرُنا بدأ هناك.. عندما صِرْنا ورقةً جافّةً في مَهَبِّ الريحِ!
من القدسِ تبتدئُ الحكايةُ.. فالمشروعُ الصهيونيُّ لم يستهدفْ فلسطينَ فقطْ.. بل استهدفَ كلَّ الوطنِ العربيِّ ومشروعَهُ النهضويَّ الحضاريَّ!
في القدسِ سالتْ الدمعةُ الأولى واكتمَلَ نِصابُ الدموعِ في سوريا والعراقِ وليبيا واليمنِ!
قلبي ينفَطِرُ على الأبرياءِ الذين يُـقتَلونَ بلا ذنبٍ في أنحاءِ الخريطةِ الجريحةِ.. فالوجَعُ كبيرٌ والدمعُ قليلٌ لا يكفي!
مَن يقفُ في صفِّ فلسطينَ فهو تلقائيًا يقفُ في صفِّ الحقِّ والعدالةِ والإنسانيةِ أينما كانتْ.. فهو حتمًا يقفُ في صفِّ سوريا والعراقِ.. إلخ
وكثيرًا ما يسألونَني على الخاصِّ: هل أنتِ فلسطينيةٌ أم أردنيةٌ؟
ملامحُ فلسطينَ انعكسَتْ على وجهِ طفلةٍ سوريةٍ.. وجدتُها هناكَ على رصيفٍ إسطنبوليٍّ باردٍ ذاتَ ليلٍ! تجلسُ على مِنكبَيها تكتبُ واجبَها المدرسيَّ ربما! أو تبحثُ في أكفِّنا عمن يرفعُ عنها هذا الهوانَ |
كم أمقُتُ هذا السؤالَ الذي يشيْ بالتشَظِّي الذي أصابَنا!
ياللهِ.. كيفَ تصبحُ اللغةُ ألفَ لغةٍ! كيفَ تصبحُ الأمُّةُ الواحدةُ بألفِ قلبٍ وبألفِ لَثْغَةٍ، وتعبُدُ ألفَ صنمٍ!
أجبتُ مَن سألني: أنا أردنيةٌ والهوى فلسطينيٌّ، وفلسطينيةٌ والهوى أردنيٌّ وسوريٌ وعراقيٌ ومصريٌ ومغربيٌ ويمنيٌ.. إلخ
عندما أتحدث عن فلسطين فأنا أتحدث عن كل صاحب قضية لأقول: لا تعايُشَ بينَ الجُرحِ والسِّكينِ..
كلُّ ذرةِ ترابٍ في الأرضِ المقدَّسَةِ تستحِقُّ شلالَ دمٍ !وكل ذرة تراب في بلادنا مقدسة !
أرادَنا اللهُ لتلكَ الأرضِ.. وأرادَ غيرُنا أن يجعلنا في التِّيهِ والضياعِ!
أرادَنا اللهُ في القمةِ.. وأرادَ غيرُنا أن نكونَ في الهاويةِ! فزيَّنوا لنا الهزيمةَ والتقهقرَ !!
عندما أتحدث عن القضية الأولى.. أقول لمن سكت عن حقه: السكوتُ هو أولُ خُطُواتِ الهزيمةِ! وأولُ عتباتِ الانهيارِ والتآكُلِ.
وتكتظ المشاهد ..حولي ..مشاهد من فلسطين ..مشاهد من فلسطين…
كم من ريشة ترسم قصتها؟!
كم من دمعة تأخذ طريقها فتتصدع الحواجز وتذوب ؟!
كم من تنهيدة تجد من يحتويها ؟!
وتكتظ المشاهد …هناك في اسطنبول (مؤتمر فلسطيني الخارج) رأيتها …
جاءت .. لتلتقيَ بأخيها الذي باعَدَ بينهما الاحتلالُ لتسيلَ الدموعُ بعد سنينَ عجافٍ.. فتثمرَ يقينًا بالعودةِ ..
ياللهِ ..!
كم من إيقاعٍ صامتٍ تحوَّلَ إلى لحنٍ ناعمٍ ..
شابٌّ فلسطينيٌّ لم يعرفْ أنّهُ فلسطينيٌّ إلا بعدما بلغَ العشرينَ من عمرِه! وعندما عرفَ تحركتْ البَوصَلةُ في الاتجاهِ الصحيحِ وفاضتْ مشاعرُه ليكتبَ في محبوبتِه الأولى شِعرًا يُنشِدُهُ على مسامِعِنا في المؤتمرِ !
ملامحُ فلسطينَ انعكسَتْ على وجهِ طفلةٍ سوريةٍ.. وجدتُها هناكَ على رصيفٍ اسطنبوليٍّ باردٍ ذاتَ ليلٍ! تجلسُ على مِنكبَيها تكتبُ واجبَها المدرسيَّ ربما! أو تبحثُ في أكفِّنا عمن يرفعُ عنها هذا الهوانَ !
رأيتُ فلسطين في وجه سوريا ورأيتُ العراق في وجه فلسطين.. فلا خط يفصل بين هذه الملامح..
ظفيرة العودة تُجدل بأنفاس اليقين وبطهر الأيدي المشتعلة بالشوق!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.