"غدا سأعود إلى بيتي، لا أعرف أأفرح أم أحزن"
أنت تعرف أني نزحت حين سيطر "المسلحون" على حيّنا قبل ما يزيد عن عامين، استعمل كلمة المسلحين، لأنها لا تحمل أي صفة مدحا أو ذما، ومنذ خرجوا وأنا أحوم حول المكان ولا أقربه، لا أعرف إن بقي من البيت شيء أم لا، لم يسمحوا لنا بالدخول في الأيام الأولى خوفا على حياتنا، هكذا قالوا، حتى ينظفوا المكان من الألغام، أو من أغراضنا.. سيان، ما عاد شيء في الحقيقة يهمني، "ايش تاخد الريح من البلاط".
كأنك تسأل لماذا أنا حزين؟
تخيل معي أنك وأنت تعود إلى بيتك الذي كان يوما ما مأمنك من هذا العالم، لا تعرف كم عدد الذين ماتوا في هذا الطريق الذي كنت تسلكه كل يوم صباحا ومساءا إلى عملك؟ لا تعرف من اختبأ في هذا البيت، وأين هو الآن؟ هل خرج مع من خرجوا أم لا؟ لا تعرف هل أنت محظوظ لأن بيتك بقي كما هو، أم أن أولئك الذين تهدمت بيوتهم هم المحظوظين، كما لا تعرف هل تفرح لأن بيتك عاد لك، بينما هناك من شُرِّدوا الآن، وأنت تستعد لهذه العودة؟
لكن بين كل هذا، لدي خبر جيد، لقد وجدت مكتبتي كما هي، لم يسرقها أحد، بينما سُرق كل ما سواها، اللصوص لا تعنيهم الكتب كثيرا، لأنها ثقيلة، وبلا قيمة. لو كان لها قيمة ما قتلنا هاهنا.
إلى هنا، كانت الرسالة التي بدأت كتابتها لك قبل شهرين تقريبا، ثم نسيتها. لا شيء تغير منذ ذلك الحين، لم نعد بعد رغم أننا ذهبنا للبيت مرات، حاولنا إصلاح ما فسد فيه، لكننا لم نستطع إعادته لما كان عليه، ربما يحتاج الأمر بعض الوقت، لا أحد يشفى من الحرب سريعا.
لماذا عدت إلى هذه الرسالة إذا؟ عدت لأنني تابعت ما كتب عن باسل الأعرج، وأردت أن أعرف رأيك فيما قيل.
هل يمكن أن يختلف الإيمان بحسب المكان والظروف؟ ألست من يقول لي دائما إن الإيمان يزيد وينقص، ونقصانه ليس عيبا، لأنه مثل تلك الموجات التي ينزلق عليها الأطفال، كل وصول لقاعها يدفعهم إلى قمتها الجديدة |
منذ اليوم الأول للثورة السورية، وأنا أنظر في نفسي وفي مكتبتي، وأسأل هل آن أوان التجسد لكل ما كنا نقرؤه سويا عن الثورة، وعن الحرية، وعن حق الإنسان في حياة كريمة. ثم خرجت أنا.. سافرت، هربت، نزحت، لا أعرف. لم أحمل سلاحا، هل لأنني جبنت، هل لأن كل هذه الكتب لم تعلمني كيف أحمل سلاحا، هل لأن السلاح لم يكن هو الحل، هل لأن … كم من "هل" يمكن أن استرسل فيها، حتى أولئك الذين حملوا السلاح لم أكن قادرا على دعمهم تماما، تعاطفت معهم، هذا صحيح، لكن شيئا ما في نفسي لم يكن ممتلئا بما يحدث، لكن باسل كان ممتلئا بما فعل. لماذا آمن هو بينما كفرت أنا؟
هل كفرت؟ هل يمكنك إجابتي؟
وجدت فيما كتب عن باسل، من توقف أمام رأيه فيما يحدث في سوريا، لم يكن باسل مؤمنا مثلي إذًا، ربما كان مؤمنا ممتلئا بإيمانه هناك خلف النهر، لكن إيمانه هنا كان قيد النظر، هل يمكن أن يختلف الإيمان بحسب المكان والظروف؟ ألست من يقول لي دائما إن الإيمان يزيد وينقص، ونقصانه ليس عيبا، لأنه مثل تلك الموجات التي ينزلق عليها الأطفال، كل وصول لقاعها يدفعهم إلى قمتها الجديدة فهو ضمان لقوة الدفع حتى تصل إلى النهاية، أم تراك تفلسف لي الضلال، أم أنا من يبحث عن متكئ له. ما أجمل الفلسفة التي تجعل من القيعان قمما عما قليل، لذلك أحب أن أكتب إليك كل حين.
أتعرف، لقد عتبت عليك يوما لأني شعرت أنك تملك إجابات لأسئلة لم أصل أنا بعد لها، كنت أسأل هل أنت على يقين فعلا من إجاباتك أم أنك توهمني بذلك، وهل يعيبني أني لم أصل لإجاباتي بعد، دعني أسألك الآن: هل يا صديقي بعد هذه السنين تزال إجاباتك كما هي لم تتغير.
هذه ثرثرة من الجهة الأخرى للحرب، الجهة التي لم تؤمن بعد، لكنها لم تكفر أيضا، تؤمن بالحق، وتعرف الظلم، لكنها تخشى ألا تكون على قدر المسؤولية، إذ أن الحق مسؤولية، والأمل مسؤولية، والثورة مسؤولية، ومن المسؤولية رؤية الطريق، فادع لي أن أراه كما رآه باسل، والسلام."
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.