شعار قسم مدونات

العلة هناك قبل أن تكون هنا

BLOGS- ليبيا
الصوت الغالب والأعلى في المنطقة الشرقية أن العملية العسكرية التي تنفذها سرايا الدفاع عن بنغازي هي غزو لبرقة من قبل إقليم طرابلس وذلك بعد دخول المهاجمين لمواقع نفطية حيوية سيطرت عليها قوة موالية للجيش التابع للبرلمان منذ أشهر. والمنطلق لدى هؤلاء أن القوة المهاجمة مدعومة من طرابلس ومصراتة، وبالتالي فالهجوم بمثابة عدوان على برقة يستدعي الرد، وفي مقدمة الردود النفير ورفع العقيرة بالعزلة وحتى الانفصال. وخطأ هذا الموقف عندي يأتي من عدة أوجه أهمها ما يلي:
 

– أن سرايا الدفاع عن بنغازي منذ تأسيسها مطلع العام المنصرم ضمت في معظمها عناصر من بنغازي، ومن انضم إليها من مدن الغرب الليبي قليلون جدا، وكان قرار انضمامهم فردي ولم يلتحقوا بناء على توجيه من الجهات المسؤولة في مدنهم أو بحفز من الرأي العام هناك، ويغلب عليهم التوجه الإسلامي الذي لا يتوافق والنزوع الجهوي.
 

هناك أزمة حقيقية لا يمكن إغفالها مهما تفنن أنصار عملية الكرامة في تبرير أسبابها وهي أن هناك آلاف من المهجَّرين قسريا من بنغازي -البعض يقدرهم بعشرات الآلاف-، وسيكون لهذا الملف تداعياته المستمرة على المدينة.

التعبئة الجديدة شارك فيها عدد من أبناء المدن حول الحقول والموانئ النفطية، والمتابع للتطورات خلال الخمس أشهر الماضية يدرك أن هناك احتقانا خاصة عند شريحة من قبيلة المغاربة. هذا التوتر مرتبط بالضحايا الذين سقطوا في مواجهة سابقة، وأيضا للوجود المستفز للمرتزقة الذين ثبت تورطهم في الاعتداء على بعض سكان المنطقة.

برغم تعاطف كثيرين من الغرب الليبي مع سرايا الدفاع، فقد ظهر أن قطاع من مدينة مصراتة كان معارضا لوجد سرايا الدفاع في المدينة وتم بالفعل قفل المعسكر الذي يعود للقوة هناك، وفرضت قيود شديدة على حركتهم الأمر الذي دفعهم للانتقال إلى الجفرة، كما نفى أمراء محاور عملية البنيان المرصوص الست مشاركة البنيان المرصوص في النزاع في منطقة الهلال، وهم يمثلوا القوة الكبرى في المنطقة الغربية اليوم.
 

المجلس الرئاسي الذي يمثل السلطة التنفيذية في الغرب وتذعن له العديد من الجهات الرسمية والقوى السياسية والعسكرية في مصراتة وطرابلس وغيرهما أدان تحرك سرايا الدفاع في السابق واللاحق، وغازل حفتر والجيش الذي يقع تحت أمرته مرات في قتاله ضد مجلس شورى بنغازي، وبالتالي لا يمكن اعتبار طرابلس ومصراتة معادية لبنغازي والشرق الليبي لأن أطرافا من ضمن مكوناتها السياسية والعسكرية دعمت سرايا الدفاع.

هناك أزمة حقيقية لا يمكن إغفالها مهما تفنن أنصار عملية الكرامة في تبرير أسبابها وهي أن هناك آلاف من المهجَّرين قسريا من بنغازي -البعض يقدرهم بعشرات الآلاف-، وسيكون لهذا الملف تداعياته المستمرة على المدينة، وهو المبرر الرئيسي لتشكيل قوة سرايا الدفاع، ولن يجدي خطاب التخوين والترهيب وتحميل المسؤولية للغرب الليبي في احتواء هذه الأزمة، وسيظل ملف المهجرين حافزا ومحركا للمحاولة تلو المحاولة لسرايا الدفاع، أو أي مجموعة غيرهم، للوصول للمدينة.
 

المسألة الأكثر أهمية هو رفض القيادة السياسية والعسكرية في المنطقة الشرقية للتوافق ورهانهم على القوة العسكرية لفرض سيطرتهم، واستعداءهم لمدن طرابلس ومصراتة وغيرهما من خلال وصف القوة الفاعلة فيها بالإرهابيين، والإعلان مرارا وتكرارا عن العزم لتحريرها من قبضتهم. وبغض النظر عن منطلقات هذه القوى وهل هي شرعية أم ينطبق عليها وصف الطرف الآخر لها، فهل يتوقع أنصار عملية الكرامة أن يقف هؤلاء مكتوفوا الأيدي، وهل سيكون موقفهم غريبا في ظل التهديد الذي يواجهونه إذا قاموا فعلا باحتضان سرايا الدفاع أو دعمها بالسلاح والرجال والمال؟!
 

التحريض ضذ طرابلس ومصراتة وغيرهما من مدن الغرب الليبي أو حتى أطراف فاعلة فيها والسعي لدخولها عنوة بقوة السلاح من قبل حفتر وحلفائه هنا وهناك سيدفعهم لكل شي لإضعاف حفتر حتى لا يتمكن من تحقيق أهدافه.

في رأيي إن المنطق يقول بأن التحريض ضذ طرابلس ومصراتة وغيرهما من مدن الغرب الليبي أو حتى أطراف فاعلة فيها والسعي لدخولها عنوة بقوة السلاح من قبل حفتر وحلفائه هنا وهناك سيدفعهم لكل شي لإضعاف حفتر حتى لا يتمكن من تحقيق أهدافه ومن ضمن ذلك دعم من يقف ضده.

أنوه إلى أن ذريعة الإرهاب أو والاحتجاج بأن الطرف الآخر مجاميع مليشاوية ينبغي القضاء عليها لم تعد تجدي ولم يعد لها الصدى السابق بعد أن ظهر ما يضعف حجة المتذرعين بها. فقد تأكد تورط عناصر من الجيش التابع للبرلمان ومن المجموعات المساندة له في سلوك مشين أخذ طابعا ممنهجا. فاليوم الجميع سواسية في ممارستهم، ولم يعد مقبولا القبول بأن طرابلس مثلا مختطفة من قبل المليشيات ويقع اليوم في بنغازي سلوكيات مماثلة تتورط فيها كتائب لا يعفيها إضفاء الشرعية والتبعية للدولة من وصف المليشيا، لأن الوصف يقترن بالسلوك، والسلوك غير المنضبط يقع هناك كما يقع هنا.
 

واختم بالقول أن هناك حاجة أن يرفع العقلاء صوتهم ويتقدم الحكماء الصفوف ويدعون إلى حوار جاد وشفاف، ويدفعون باتجاه توافق حقيقي، أما التعويل على القوة فلن يجدي شيئا، وما تسترده اليوم ستفقده غدا، والخاسر في هذا السجال هم المجموع العام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.