وحين أتيه في عالم طرح الأسئلة المستفزة للذات الكاتبة التي اكتسحتني اكتساحا.. غالبا ما أطرح سؤالا غرائبيا أعرف مسبقا أن جوابي لن يشفي غليلي لأن الأمر يتجاوزني بالمطلق، حيث أبوح قائلا: ماذا لو أني ولدت إنسانا آخر، وعشت أحداثا غير التي عشتها؟ ألم تكن كتابتي غير التي طرزتها بأسلوب هذا استجابة للظروف التي هي من تتحكم في ذواتي الكاتبة؛ لأننا في آخر المطاف، لسنا نحن من يصنع مراحلنا، وأقدارنا، وموتنا، وفشلنا، ونجاحنا، ومدنا، وجزرنا، ووووو.. لكن رغم هذا وذاك، يبقى السؤال مفتوحا أيضا وكأنه يخاطبنا: وكيف لك أيتها الذات الكاتبة، بل هل بإمكانك تجاهل كل السيرة التي تحكمت فيها هذه الميكانزمات العجيبة؟
غالبا ما نتقمص ذواتا غير ذواتنا في الكتابة استجابة شرطية بافلوفية، فتضيع فينا الذات الأصلية لتبتلعها الذات الفرعية، فيضيع منا قياس الكتابة بين الفرع والأصل. |
عجيب وغريب عندما أقرا إبداعا معينا وأنا أعرف بشكل من الأشكال بعضا من سيرة ذاته الكاتبة، حيث أجدني أكتشف فيها جوانية تعيد صاحبها إلى حقيقة مفادها أن لا أحد ينتبه لما يكتب.. وكأنني به يقرأ ثم ينسى ما خطته يداه.. إلى درجة الجزم أن هناك ربما جماعة من المتلقين يعتريهم الهوس لأنهم يؤمنون بأن الحياة هي بالذات ما يقول الكتاب وليس ما تقوله لهم تجاربهم الذاتية.. وهنا يستفزني السؤال، بل ذات السؤال الذي سبق أن طرحته على نفسي مرارا، حيث أن طبيعة السؤال تفترض ألا أكون نفسي بل أن أكون شخصا آخر..
وهنا بالضبط أيضا ألعن من يكتب لمجرد أنه يسعى أن يكسب جمهورا، سيما إذا لم يكن جمهور الذات الكاتبة، ولهذا أكتفي إيمانا مني أن كل ما أكتبه مثلا يكفي أن يلخص في مقولة: يجب أن أقول ما أشعر به وليذهب العالم إلى الجحيم.. هناك من يكتب من أجل الآخرين باعتباره الهدف الواحد والأوحد، فمثلا من الصعب أن نكتب عن السعادة، ومن المضحك الباكي أن تكتب مثلا رواية أو قصيدة عن سعادة خيالية لا تطبعها جينات اللغة التي تفيض من الذات الكاتبة..
فكم من مرات لا تطاوعنا فيها الكتابة حين نشعر أن ما سنكتبه ترفضه جوانيتنا لأن الذات المنكتبة لا تمثلنا ولا تحفزنا البتة.. ولهذا غالبا ما نتقمص ذواتا غير ذواتنا في الكتابة استجابة شرطية بافلوفية، فتضيع فينا الذات الأصلية لتبتلعها الذات الفرعية، فيضيع منا قياس الكتابة بين الفرع والأصل، ولو أن العلة حاضرة، إلا أنها لا ولن تدور مع المعلول وجودا وعدما..