شعار قسم مدونات

ماذا تريدون من الإصلاح؟!

blogs - شعب اليمن
جاء الربيع العربي بالإخوان المسلمين إلى واجهة الأحداث بشكل غير مسبوق، وأكثر من ذلك اختارتهم شعوب الربيع للحكم بمحض إرادتهم، وبانتخابات نظيفة ونزيهة لم يسبق لها مثيل، كانت أحزاب وجماعات الإسلام السياسي قبل انطلاق شرارة الربيع بين معتقلة ومطاردة، والبعض منها متصالحة مع الأنظمة التي ثارت الشعوب ضدها، من كانوا في صلح (إعلامي) مع تلك الأنظمة، استفادت منهم الأخيرة وضمنت البقاء والتمدد، انبنت تلك العلاقات على وعود بالإصلاحات السياسية بشعارات ظاهرها الشرف وباطنها الخراب، استفاد الإخوان من الثورات، كغيرهم، الفرق أنها كسبت أصوات الشعوب ونالت ثقتهم بعد عقود من الانحباس فيما بينها، ووصلت إلى سدة الحكم والسلطة بكل تعقيداتها!

ما بعد الربيع العربي ليس كما قبله بالطبع، أخرج الربيع أسوأ ما في النخب السياسية على الإطلاق، أعوام وتلك النخب تضج الناس بأحاديث الفضيلة، ولمجرد أن الشعوب لم تخترهم واختارت غيرهم، تنكّروا لها بالمطلق، وذهبوا لتحالفات مشبوهة في غرف المخابرات القذرة من أجل تشكيل لوبي ممول يقوم على ضرب خصومهم بكل الوسائل المتاحة، فعلوا ذلك حقدا، وليتهم فعلوا ما فعلوه من باب التنافس الشريف، لكنهم أرادوا الانتقام، للانتقام وحسب، من هؤلاء التي جلبتهم الشعوب بإرداتها وأصبحوا الصوت الأعلى مقابل خفوتهم وتجاوز الناس لهم!

يطال حزب (الإصلاح) اليوم، جناح الإخوان المسلمين في اليمن، نفس العقاب والجحيم ومن نفس الخصوم، يتم عقابه بشكل وحشي يصعب وصفه.

لم نكن نعرف أن هناك خصوما تحركهم أحقادهم المتراكمة بهذا الشكل المرعب، ولم نكن نتوقع أن يكونوا بهذا القدر من الإسفاف، وفقدان العقل والمنطق والبصيرة، كل هذه الأشياء انفجرت فيما بعد أحداث الثورات، انفضحت النخب وتجلّت عارية من كل شيء، وكأن تلك الانتفاضة مختبر دقيق لفحص كل الأدعياء، دخلت الأحزاب والجماعات في اختبار، ظهر الجميع عاريًا ولم يبق منه شيء محجوب أمام أعين الشعوب، عرفت من خلالها الجموع من يستحقها، وأعطت صوتها لمن تريد بلا أي تردد، وهو ما جعل أولئك الخصوم في وضع متأزم فقدوا من خلاله التحكم بأنفسهم تمامًا، وأصبح الواحد منهم شغله الشاغل الانتقام من خصمه الذي لم يبق في مكانه وقريب منه!

يطال حزب (الإصلاح) اليوم، جناح الإخوان المسلمين في اليمن، نفس العقاب والجحيم ومن نفس الخصوم، يتم عقابه بشكل وحشي يصعب وصفه، ليس استثناء من أقرانه في دول الربيع، أختار خصومه وأقرب المقربين منه الانتقام بدل الانتقاد والتنافس الشريف، وذهبوا يرمونه بكل أدوات التنكيل النفسية والمعنوية، وراحوا أبعد من ذلك بكثير، إلى التغطية على جرمهم بشعارات الوطنية، قال أحدهم في سبيل ترحيبه بما حدث: "اتركوا الحوثي يدخل صنعاء، إنها مجرد عملية قيصيرية وسيعود من حيث جاء"، ولم يمر سوى أسبوع حتى باتت غرفة نومه تحت تهديد الجائحة العسكرية، بوجه آخر، تحت تهديد الوجه الباطن والخفي لهم، يتساءل الكثير بحيرة بالغة في الأثر، ومنهم قواعد الإصلاح، ماذا تريدون من الإصلاح بعد كل الذي فعله ولا يزال يفعله حتى اللحظة؟؟ انقلاب الحوثي وصالح كان هدفه القصير السطو على الدولة، أما الهدف الكبير والأعظم منه هو القضاء على حزب الإصلاح!

كان حزب جناح الإخوان (الإصلاح) يعد عدته للدفاع عن الجمهورية، درب شبابه وفتح مقراته لمن يريد التطوع بالقتال، أعطاهم السلاح وبدأ الاستعداد لدخول وكلاء إيران للعاصمة، بعد تسليمهم محافظة عمران، كانت الوطنية وحدها من تحركهم، وغباء سوء التقدير السياسي الذي يحركه حسن الظن بالشركاء، كان شبابه منتشر، كخلايا نائمة تنتظر التوجيهات بالتحرك، في كل مناطق العاصمة دون استثناء، وكان التوجيه المعنوي (الديني) في أقوى قمته ويملؤه الثقة واليقين، وحين قرعت أجراس المعركة اتضحت الصورة بجلاء، كانت المليشيا هدفها الأول والأخير الدخول للقضاء على الإصلاح وسحل شبابه وقادته، حدث ذلك في شارع الثلاثين والنهضة بالعاصمة، تجلت الأمور للإصلاح، بدءًا بالتسليم الناعم للمعسكرات والمؤسسات، وانتهاءً بفرش البساط الأحمر استقبالًا للقادمين من الكهوف للقصور، بعد أن أصبحت الأمور كالشمس جلية، أمر، أي حزب الإصلاح، شبابه بالانسحاب والنجاة بأرواحهم، هكذا بدت الأمور، أنا شاهد على هذا، لأني كنت أحد المتطوعين للقتال في صفوفهم، والرئيس هادي يعرف ذلك أكثر من غيره، يعرف بدقة متناهية، أن الإصلاح حاول أن يفعل شيئا للجمهورية فخذله شركاؤه وأقرب الناس إليه، أقول هذا نافيًا نفيًا قطعيًا أن أكون إصلاحيًا، أو أن يتم تصنيف كلامي على أنه صادر من شخص له علاقة بهذا الحزب!

بطريقة وحيدة وسهلة جدا تستطيعون القضاء على الإخوان المسلمين وأحزابهم، ومنها الإصلاح في اليمن، أن تكونوا خصومًا شرفاء.

اليوم يستمر الإصلاح بتقديم أغلى ما لديه، أمواله وأعضاءه، في سبيل تحرير الوطن من وكلاء إيران المحتلين، قادته وقواعده يقتلون يوميًا في جبهات القتال، والبعض منهم في السجون، وآخر يتم تصفيته بحوادث اغتيال، كل أصناف التنكيل والعذابات نالوها، وما لا تعرفونه، خسر حزب الإصلاح الكثير والكثير جدا، وحزب ما قبل الجائحة الحوثية ليس هو الحزب الذي أصبح بعدها دون شك، وحسابياً خسر كل شيء، ولا يزال، لكنه ربح وطنه الذي يسعى لأن يقدم له كل شيء دون منٍّ أو أذى، ولديّ قاعدة جوهرية أتعامل معها تجاه الغير، من يوجه له السهام بهذا الحجم، سلبًا أو إيجابيًا، لديه شيء ما يقدمه للآخرين، هو موهوب على كل حال، ربما لا يدرك ذلك هو، لكن هناك شيءٌ ما بداخله ثمين!

فماذا تريدون من الحزب ولم يحققه بالضبط؟ حقق لكم كل شيء، أردتم قتله؟ هاهو يقتل بلا رحمة، الفرق أنه يستشهد وهو يدافع عن وطنه من قبحكم الفاحش، وأردتم زواله، لن يزول لمجرد أنكم ترون فيه عقبة، أنتم لا تريدون منه سوى أن يركع ويطأطئ لكم رأسه لتمر عاصفتكم الموبؤة، تريدون منه أن يكون كرت في أيديكم تحرّكونه متى تريدون، هل هذه سياسة؟ إذا ما الداعي لوجودها إن لم يكن فيها مصالح لطرفين؟ يا لغبائكم وحمقكم؛ ومن سوء حظكم أن حزبًا كهذا في كل تحركاته يعتقد أنه من الضروري أن يكون الله راضٍ عنه بالدرجة الأولى، تقيده مبادئه وأيديولوجياته، فهل تظنون أنه سيبيع لكم قضاياه ومبادئه من أجل أن ترضون ويغضب الله؟؟ هكذا يقول شبابه وهكذا يؤمنون. عليكم أن تيأسوا تمامًا من تركيع هذه الثلة من البشر، لن تستطيعوا مهما فعلتم، وعلى ثقة بأنكم وصلتم لهذه القناعة وأكثر، لكنه عناد المتجبّر الذي تحركه أحقاده ولم يعد بمقدوره التحكم والسيطرة عليها!

بطريقة وحيدة وسهلة جدا تستطيعون القضاء على الإخوان المسلمين وأحزابهم، ومنها الإصلاح في اليمن، أن تكونوا خصومًا شرفاء، تنافسونه بنفس الطريق، وتبتكرون وسائل حضارية توقف عجلته، في طريقكم للمنافسة تذكروا أنه كما أن لكم الحق في المنافسة لهم أيضا الحق، ولا تصادروا عنهم الشيء الذي تطلبونه، بهذه الطريقة تستطيعون هزيمة الإصلاح، بأكثر من خدمة للمجتمع، بعدد الجامعات والجمعيات التي استفاد منها اليمنيون، لن تلغوا فاعليته إلا بتنافس شريف راق وحضاري وحسب، وأنصحكم لا تضيّعوا جهودكم بغير ذلك، ولن يزعج قواعد الإخوان أنكم خصومهم حتى لو هزمتموهم، وأدنى فرد منهم سيشتمكم في مواقع التواصل الاجتماعي ويلعنكم، وسيتقرب إلى ربه بذلك، وبعدها سيستغفره من ذنبه، وفي سبيل الدفاع عن الفكرة سيرد عليه آخر: أنت لم تترب في محاضن الإصلاح السرية ولم تقرأ كتاب "ماذا يعني انتمائي للإسلام".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.