شعار قسم مدونات

أُمُّ القضايا

blogs - أولوية
أؤمن أن الأزمان عبارة عن قضايا، في كُل زمنٍ قضيةٌ بارزةٌ مطروحة للجميع، يؤيدها البعض ويسعى لإبقائها والدفاع عنها، ويهاجمها البعض مُحاولاً أن يطيح بها أرضاً، وبعضٌ ثالث يعيشُ حالةً من الركود، لا مؤيد ولا معارض، هو فقط في انتظار أن ينتهي زمنه فينتهِ هو ببساطة.. إذاً، ثمة سؤال من المُفترض أن يُطرح الآن..

زمننا هذا بصدد أي قضية؟ كون الكلمة مفردة الصيغة لا يعني هذا أنها وحيدة، زمننا بصدد قضايا كثيرة بِلا شك، ولكنها واحدة يمكننا أن نُطلق عليها اسم "أُم القضايا"، تحتها تندرج الأخريات.. قضية هذا الزمن أيها الأعزاء هي: التقييم المغلوط.. قد لا يُثير الاسم فضولكم، ولا تتصوروا أن لهكذا اسم هكذا أهمية.. ولكنها صدقاً "أم القضايا".. كيف ذلك؟
 

بدايةً، نُلقي نظرة على سُلم الأولويات، سنراه لدى أغلبية الأفراد معكوسا، ما يجب أن يتصدر الدرجة الأولى يكون في الحقيقة في الدرجات الدُنيا، شأنه عند صاحب السلُم شحيح.. بعثرة الأولويات تؤدي حتماً لهبوط في مستوى الوعي.. بعد ذلك نتطلع إلى الاهتمامات والموضوعات القادرة على إثارة الفضول، هي أشياء تكشف خبايا الشعوب، ماذا سنجد؟ هل نحن شعب خباياه تدل على عظمته؟ هل نحن شعب يثير فضوله أكثر من فضائح وأسرار تتفشى؟ لا أظننا كذلك! ثُم ماذا عن الكُتب الأكثر مبيعاً؟ هل ملأت عقولنا بالفائدة كما ملأت رفوف المكتبات؟ وهل غذّت أذهاننا كما غذّت جيوب كُتابِها؟

مُجتمعنا هذا يوافق فوراً على دفن الجمال الفكري والروحي، ويُصفق بحماسٍ لأنواع جمال أخرى لا تُثير إلا العته، ولا تنشر إلا الضلال.

يا سادة! اصطفاف كلمات بين دفتين لا يعني ولادة كتاب، والله إن للكتاب معانٍ أكثر سمواً من هذا.. وإعلامنا، أو "الإعلام" بإزالة "نا" الدالة على الفاعلية، هل تراه يُساهم في تشييد بروج الفِكر السليم فينا؟ أم أن مساهمته هو الآخر ضررها غالباً على نفعها؟ لن نختلف أن الإجابة ليست الأولى، هي الثانية بكل تأكيد! 

ومن يندرجون تحت فئة "المشاهير"، أي تأثير في نفوس المُتابعين يتركون؟ أي محتوى يقدمون؟ وماهية النقاشات التي يخوضون، كيف تكون؟ أسئلة يجب أن تُطرح قبل أن يصيروا "مشاهير".. 
فكرة التعميم خاطئة كُليا، ولا تكون صائبة بأي شكل من الأشكال، الاستثناءات تفرض نفسها باستمرار..
أنا على دراية بهذه الفكرة، ولكن لو كانت كُتبنا الأكثر مبيعاً ذات قيمة تجعلها تحظى بهذا، ولو كانت برامجنا وأفلامنا الأكثر مُشاهدةً تستحق فعلاً أن تكون كذلك، ولو مَلَكَ مشاهير زماننا مزايا أرقى مما يملكون.. سنكون حينها أُمةٍ بصدد قضية أعمق من "التقييم المغلوط".

مُجتمعنا هذا يوافق فوراً على دفن الجمال الفكري والروحي، ويُصفق بحماسٍ لأنواع جمال أخرى لا تُثير إلا العته، ولا تنشر إلا الضلال… المعذرة، لم أستطع أن أُتابع الكتابة بدون "نا الدالة على الفاعلية" لن أقول المجمتع  فحسب، هو مجمتعنا شئنا ذلك أم أبينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.