كان ذلك لمعرفة مواطن الضعف في تفكير أهل أثينا وتوليد أفكار صحيحة في عقولهم.. يبدأ بطرح الأسئلة متظاهراً بعدم معرفة شيء، ولكن يرتب الحوار بشكل يستدرج فيه مُحاوره إلى اكتشاف مثالب تفكيره حتى يجد نفسه محصورآ للتمييز بين الخطأ والصواب.. كان يقول إن المعرفة الحقيقية لا تأتي إلا من الداخل دون أي تدخل معرفي من الخارج.. أو ليست تلك التي يصفعنا بها الآخر.
وصف جوستاين جاردر فن الحوار عند سقراط في كتابه (عالم صوفي) بالطريقة الفعالة لتوليد المعرفة.. لم يكن يعمل كأستاذ رديء.. على العكس كان يحاور الناس ويجادلهم.. فلو اكتفى بتلقين الناس وتعليمهم لما أصبح فيلسوفاً مشهوراً أو لما حُكم عليه بالإعدام في الواقع.. ذلك لأن كثيرين باتوا يجدونه مزعجاً خصوصاً أصحاب السلطة منهم.
الحل الأمثل أن يتحرك الطلبة أكثر من المعلمين وأن يكونوا هم في نهاية اليوم الأكثر تعباً.. هذا النوع من التعلم على عكس النوع السائد القائم على التلقين. |
ذُكر في سيرته أنه قال (تشبه أثينا حصاناً كسولاً.. وأنا أشبه بذبابة تحاول إيقافها وإبقاءها حية).. إلا أن غاية سقراط لم تكن إزعاجهم بل إنه كان مدفوعاً بشيء لا يترك له الخيار، صوتاً داخلياً في البحث عن الحقيقة… وذكر في مجاورات أفلاطون تحت مسمى (الحوار التوليدي) أن أم سقراط كانت قابلة.. وأنه كان يقارن بين الفلسفة وفن التوليد.. فليست القابلة هي التي تضع المولود.. بل هي التي تقدم مساعدتها كي يخرج حياً إلى الحياة.. وهكذا تتمثل مهمته في توليد أفكار صحيحة في العقول.
إذاً نحن أمام أسلوب آخر من المعرفة.. أسلوب يهدف إلى التخلص من الكسل الفكري والتعرف على الثغرات عن طريق إثارة الأسئلة.. بحيث يشترك المعلم والمتعلم بهدف الوصول إلى الحقيقة.. وتختلف هذه الطريقة عن الطريقة التلقينية المملة غير المجدية المعتمدة من قبل المعلمين حالياً.. لأن الحوار يبقى الحل الأفضل والأمثل لتحقيق المعرفة، لأنه يفترض الانتقال من الفكر البسيط إلى الفكر النقدي أو الجدلي.. وبذلك يتجاوز الطلبة ذواتهم وتتطور قدراتهم الفكرية والحوارية… لذا ينبغي على الأساتذة أن يتقدموا كوسيط بين المتعلم والمعرفة.. يحثه على البحث والتفكير فهو صالح ليُنشأ الروابط متنقلاً من منطق إلى آخر بعيداً عن الطريقة التقليدية المتمثلة بأن يعطي ويصحح.. بل من خلال التوجيه لاكتساب مهارات جديدة.
يقوم هذا الأسلوب على المشاركة وليس الملاحظة.. على البحث والتحليل لا على الوصف.. أي مشاركة المتعلم في بناء المعرفة ليساعد ذلك في أخد الكلمة بدلاً من سماعها وطرح الأسئلة بدلاً من استقبال المعلومات.. إذاً الحل الأمثل أن يتحرك الطلبة أكثر من المعلمين وأن يكونوا هم في نهاية اليوم الأكثر تعباً.. هذا النوع من التعلم على عكس النوع السائد القائم على التلقين يساعد على تطوير التفكير النقدي وحل المشكلات.. وينمي لدى الطلبة قيماً وسلوكات تساهم في إرساء مجتمع ديمقراطي.