ولأجل مواكبة هوس الأبناء الجديد، كان لابد من التعرف على الانترنت وعوالمها المختلفة، بشكلٍ بسيط يميل إلى العفوية والطيبة. |
أذكياء العصر آباؤنا، وجهابذة القرن أمهاتنا، الذين دفعتهم ظروف الغربة والبعد عن الأولاد للتعامل مع الأجهزة الذكية، بعدما تجاوز معظمهم من العمر زمناً طويلاً، وأصبحت الرقميات بالنسبة إليهم بدعةً مستحدثة، وربما شبحاً يخافون الاقتراب منه. ليس غريباً أن يستخدم جيلنا والأجيال اللاحقة التكنولوجيا بكل رشاقة، وسهولة في التعامل مع المعلومات وإخضاعها لعقلٍ نقدي حاد، يستطيع التمييز بين مَن ينشر أفكاراً سطحية، وبين الذين يعملون بالدقة والمصداقية في طرح المواضيع والحقائق، بينما الأجيال السابقة وصلها التطور الرقمي على حين عجلة، ولأجل مواكبة هوس الأبناء الجديد، كان لابد من التعرف على الانترنت وعوالمها المختلفة، بشكلٍ بسيط يميل إلى العفوية والطيبة.
بالنسبة لوالدي، كان هاتف اللمس ضرباً من المستقبل، وشيئاً ليس بحاجته طالما يوجد في جيبه هاتفٌ ذو أزرار، وفي بيتنا جهازٌ أرضي يعتمد عليه في اتصالاته، حتى أنه كان ينهرني وإخوتي على انصهارنا في مواقع التواصل، واعتبارها مضيعةً للوقت. أما اليوم، بات متمرساً في عالمه الافتراضي، مدفوعاً بالرغبة والشوق إلى التواصل الدائم مع ابنته في غربتها، وملاحقة أخبارها أينما وضعت رحلها التطبيقات المتنوعة، ذاك الرجل نفسه قال لي يوماً: "لا داعي للانترنت إذا كنت وصحبك في مكانٍ واحد"، ليثبت له الزمن لاحقاً أن البلد الواحد تشعب وتفرق، وتقطع وتمزق، وأصبح يتنفس من خلال مواقع التواصل ليطمئن على صديقٍ مسافر، وقريب في الغربة مُجاهر.
لا أجمل من الطاعنين في العمر، الذين تحدوا كل الصعوبات وتجاوزوا كل المخاوف لينسابوا إلى العالم العنكبوتي، أؤلئك هم العباقرة حقاً، أغرقتهم التكنولوجيا بمدّها، فطافوا بأيديهم المجعدة على وجهها بكل دماثةٍ وطيبة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.