"آس (أي: سوِّ) بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك"، كما أن المساواة في بعض الأحيان تخالف العدالة، وذلك عند التسوية بين مختلفين لا يستويان، وتكون العدالة هنا إعطاء كل ذي حقه حقه حسبما عنده من الفضائل أو ما احتواه من مزايا من مثل إعطاء الرواتب حسب الأقدمية أو الخبرات والكفاءات، وما امتاز به الشخص من شهادات وتخصصات، فلا يستوي أن يعطى العامل راتب الطبيب الذي أفرغ وسعه وبذل جهده حتى نال تلك الشهادة وقس على ذلك سائر المختلفات في هذه الحياة، فالعدالة فيها أن يتم التقدير في إعطاء كل ذي حق حقه بما بتناسب مع حجمه أو فضله أو مزاياه، ولا يمكن تقدير ذلك إلا بأسس ومعايير سليمة تكفل للجميع حقوقهم ولا تهضم فردا من أفراد المجتمع .
روح العدالة متى ما سادت في أي مجتمع اطمأن ذلك المجتمع وعاش أفراده في راحة وسكينة وهنأت الجماعة وضمن الجميع حقوقهم فعم الاستقرار سائر البلاد. |
العدل نحتاجه في كل آن وحين ومن المهم للغاية وضع محددات أو معايير بها نعرف مدى قربنا أو بعدنا من العدل ومن فمن تلك المعايير على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في الأثر: "وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يحب أن يؤتى إليه". وهو ما يمكن تسميته بالمعيار الذاتي، وهو أن يقيس جميع تعاملاته على ما لو كان هو في مقابل من يتم التعامل معهم، فيبني عليه تعامله فمثلما يحب أن يعامل بعدل فليعدل مع الآخرين.
ومن تلك المحددات أيضا أن تطبق الأحكام والمعايير في أي مجتمع على الجميع من غيرما تفريق أو ازدواجية في تطبيق تلك الأحكام أو المعايير فلا يفرق عند تطبيقها بين القوي والضعيف ولا الشريف والوضيع فتسري تلك الأحكام والمعايير على الجميع كما جاء في الحديث: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ"، وهو ما يمكن تسميته بالمعيار الجماعي الذي يسري على الجميع فتتم معاملتهم وفق ذلك بمعاملة واحدة من دون تفريق بين أحد والجميع سواسية أمام النظام والقانون.
إن روح العدالة متى ما سادت في أي مجتمع اطمأن ذلك المجتمع وعاش أفراده في راحة وسكينة وهنأت الجماعة وضمن الجميع حقوقهم فعم الاستقرار سائر البلاد كما قيل لعمر -رضي الله عنه: "عدلت فأمنت فنمت"، وهذا الذي ينبغي ترسيخه في مجتمعناتنا وفي النشء منذ نعومة أظفارهم، وترسخ مفاهيمه في جميع نواحي المجتمع وعبر مختلف الوسائل والأدوات كالصحافة والإعلام وفي المدارس والمساجد فخطاب العدل هو الذي ينبغي أن يسود اليوم وهو الذي نحتاجه في مجتمعاتنا العربية مع انتشار الفوضى والقتل والتهجير في كثير من ربوع وطننا العربي الغالي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.