شعار قسم مدونات

من أراكان إلى سربرنيتسا.. القصة مستمرة

blogs- اراكان
يتعرض أهل الإسلام لمجازر وإبادات، فما يخطط لهذه الأمة أمر خطير، وما يحاك لها شيء مرير، وفي استعراض بسيط للعالم اليوم نرى أن الصفحات والحروف القليلة لا تسعفنا لاستدراك ذلك الأمر العظيم الذي ألم بأمة الإسلام، ولن استعرض ما يحدث من الأهوال التي يتعرض لها المسلمون في سورية وفلسطين والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان وتركستان والأحواز؛ بل سأقتصر على ذكر بعض الأحداث خلال القرن العشرين لتعلموا أن القصة مازالت مستمرة.

أولاً: بورما
فوفقاً لمنشور أصدرته إدارة الإعلام والنشر بجبهة روهينجا الوطنية، تم تشكيل كتيبة عسكرية عام 1948م في أراكان، وقد مارست هذه الكتيبة مختلف الأعمال الوحشية من قتل وتشريد واغتصاب وحرق ،بدعم مباشر من الزعماء البوذيين، كما بدأت الحكومة بعملية تهجير منظم من عام 1955م تحت وطأة التعذيب والاعتقالات التعسفية. وفي عام 1978م لجأ إلى بنغلاديش أكثر من 250 ألف مسلم، وفي عام 1982م صدر قانون المواطنة الذي كرس سياسة التمييز العنصري، وحرمهم من حق المواطنة والوظائف والتمثيل الحكومي، لدرجة أن لكل مسلم هناك اسمان أحدهما إسلامي والآخر برماوي دفعاً للحرج والمتاعب.

مجزرة سربرنيتسا: حدثت في يوليو عام 1995م وراح ضحيتها 8000 آلاف مسلم تحت قيادة المجرم "ميلاديتش"، حتى وصفت بأنها أسوأ جريمة في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية!!

وفي كتاب "بورما الخبر والعيان" يقول الدكتور محمد العبودي: الذي أهمنا وأقلق مضاجعنا، ما سمعنا عن تعصب حكومتها ضد المسلمين فيها وإلحاق الأذى بهم وعدم السماح لهم بالسفر خارج البلاد، ولقد شددت القيود على دخول المسلمين غير البورماويين الذين يريدون تقوية العلاقات بإخوتهم. ولقد وصلت إلينا أخبار من اضطهاد المسلمين، قد يظن سامعها أنها تصل إلى درجة المبالغة، مثل عدم وجود أي وزير مسلم ولا يوجد منهم ضباط في رتب عالية، كما يمنع بناء المساجد وعدم السماح للطلاب من الدراسة في البلدان الإسلامية ومنع طباعة الكتب. انتهى كلام الدكتور وقد ذكر ذلك في عام 1985م وماتزال قضية بورما حتى كتابة هذه السطور مستمرة والله المستعان.

ثانياً: كشمير 
إن قضية كشمير قضية هامة لم تنل نصيبها الكافي من الإعلام؛ ففي كتاب مأساة كشمير المسلمة للدكتور إحسان حقي يقول: لقد أقدمت القوات الهندية على إحراق عدد من البلدات والقرى، كما نكلت بالعائلات المسلمة من قتل وحرق، فقد قتل عدد كبير من الرجال أمام أفراد أسرهم بشكل وحشي رهيب كما أقدم الجنود على اغتصاب عدد من الفتيات. ورغم مرور السنين مازال المسلمون هناك يعانون من مختلف صنوف العذاب، وقد تناولت الصحف برقيات تتضمن أوامر من الحكومة الهندية إلى الجيش الهندي في كشمير تأمره وبشكل صريح بذبح جميع المدنيين على شريط وقف إطلاق النار.

ثالثاً: الشيشان

إن جرائم الروس سلسلة ممتدة من روسيا القيصرية وصولاً لروسيا الإتحادية، فقد اتبعوا مختلف الأساليب الوحشية في الجمهوريات الإسلامية الخاضعة لهم، وتبرز الشيشان كمثال صارخ. في كتاب "الشيشان مأساة الحرب وجريمة العصر" يقول الأستاذ إحسان عبدالحميد: لقد كانت الجرائم والأعمال الحربية أكثر ضراوة ووحشية في الشيشان؛ فقد قتل وشرد الآلاف من السكان، وعندما كان الجيش الروسي ييأس من تحقيق الانتصار على المجاهدين، يتوجه إلى الأهالي فيحول القرى والمدن إلى ساحة قتال حقيقية. 

ويقول: في عام 1924م أغلقت المحاكم الشرعية والمساجد واعتقل الأئمة والخطباء، فقد كان هناك في روسيا 26 ألف مسجد، وبحلول عام 1941م لم يبق إلا ألف مسجد فقط! فقد هدم الباقي وحول لمراقص ومراكز تجارية، كما منع الناس من العبادة وأغلقت مراكز الحجيج.  ولا يخف ما حدث لغروزني من تدمير ممنهج؛ فقد اتبع الروس سياسة الأرض المحروقة، وتحولت تلك المدينة الجميلة إلى ركام من الحجارة والتراب.

قتل الروس وشردوا الآلاف من السكان، وعندما كان الجيش الروسي ييأس من تحقيق الانتصار على المجاهدين، يتوجه إلى الأهالي فيحول القرى والمدن إلى ساحة قتال حقيقية.

وفي كتاب "مسلمو العصر تحت السياط" يذكر الدكتور محمد السعودي: بتاريخ 17/4/1995م، حاصر الروس مدينة ساماشكي الشيشانية من جميع جوانبها، وأخذت المدرعات ترمي بقذائفها على المنازل، ومنعت السلطات وسائل الصحافة العالمية من دخول المدينة، وذكر شهود عيان أن الروس كانوا يسكبون البنزين على الناس ويحرقونهم، وقد قامو بحشد العجائز في مكان واحد وأطلقوا عليهم الرصاص، كما اصطحبوا معهم الكثير من الأسرى لمعتقلات خاصة.

رابعاً: أرتيريا 

استولت أثيوبيا على إرتيريا بتأييد من فرنسا وبريطانيا، وقد اتبعت سياسة مصادرة الأراضي، وفتحت للسكان سجون جماعية رهيبة، وتم إنزال أفظع أنواع العذاب بهم . وعند استلام "هيلاسيلاسي" السلطة وضع خطة لإنهاء الوجود الإسلامي خلال 15 عام، وقد عرض خطته على الكونغرس الأمريكي، وذكر الأستاذ جلال العالم في كتابه دمروا الإسلام أبيدوا أهله: لقد سن الإمبراطور هيلاسيلاسي تشريعات لإذلال المسلمين، ومنها الركوع لموظفي الدولة وأمر أن تستباح دماؤهم لأقل سبب، كما أمر بإغلاق مدارس المسلمين وأمر بفتح مدارس مسيحية وعين حكاماً فجرة على المقاطعات وهم يملكون صلاحيات مفتوحة، كما بنى الكنائس في كل بلدة، كما تم ملاحقة المثقفين وزجهم في السجون أو نفيهم خارج البلاد.

خامساً: البوسنة والهرسك

إن هذا الإجرام الممنهج لم يقتصر على الشرق؛ بل امتد للغرب، وفي عقر دار الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الأديان والاعتقاد، وما مأساة البوسنة والهرسك عنا ببعيدة؛ فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي تزعزعت الدول التي كانت ترتبط به ومنها جمهورية يوغسلافيا التي تفككت إلى ست جمهوريات، ومنها البوسنة والهرسك، ويشكل فيها المسلمون الأغلبية، والتي أجمع سكانها على الاستقلال، ولكن هذا الأمر لم ينل قبول صربيا التي بدأت بشن حرب لاحتلالها.

جرت هذه الإبادة أمام الفرقة الهولندية المكلفة من قبل الأمم المتحدة لإنقاذ المدنيين، ولم تفعل أي شيء لإنقاذهم؛ بل إنها طلبت من الأهالي تسليم سلاحهم مقابل أمنهم.

وقد ذكر المؤلف "محمد أحمد" في كتابه "مآسي المسلمين في البوسنة والهرسك": أن الصرب استخدموا أسلحتهم الثقيلة لضرب المدن، فقتلوا الرجال وذبحوا الأطفال، ودمروا البيوت، ومنعوا الإمدادات الغذائية والدوائية عن السكان في مناطق تغطيها الثلوج فمن لم يقتل بالسلاح قُتل برداً وجوعاً، كما منعت أوروبا وأمريكا الدول من تقديم العون للضحايا، وتركتهم نهبة بأيدي هؤلاء الوحوش، أما من نجا منهم وفر إلى معسكرات اللجوء في كرواتيا، فقد شهدوا على مجازر فظيعة ومقابر جماعية وتطهير عرقي طائفي ممنهج .

وذكرت مجلة "أيبوكا الصربية": إذا لم يرفع المسلمون الراية البيضاء على مآذن مساجدهم؛ فسوف يسوي الصرب القرى بالأرض. أما أفظع ما كان فهي مجزرة سربرنيتسا: حدثت في يوليو عام 1995م وراح ضحيتها 8000 آلاف مسلم تحت قيادة المجرم "ميلاديتش"، حتى وصفت بأنها أسوأ جريمة في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية، وقد جرت هذه الإبادة أمام الفرقة الهولندية المكلفة من قبل الأمم المتحدة لإنقاذ المدنيين، ولم تفعل أي شيء لإنقاذهم؛ بل إنها طلبت من الأهالي تسليم سلاحهم مقابل أمنهم، وبعد تسليمه دخلت القوات الصربية للبلدة وعزلت الشباب عن النساء والأطفال، وتمت تصفيتهم في مقابر جماعية وتم اغتصاب النساء وذبح الأطفال.

أما دور الأمم المتحدة فقد كان دوراً مخزياً للغاية، ولذلك ستبقى مجزرة سربرنيتسا نقطة عار أبدية في تاريخها. إن الأسطر القليلة لا تكفي لذكر كل ما يجري للمسلمين اليوم، وتعتذر الحروف وتخجل الكلمات أمام دماء ملايين الضحايا الذي لا ذنب لهم سوى أنهم قد حملوا هذا الدين، فأعدائنا يحملون حقداً دفيناً لا يوصف ولا ينتهي مهما كذبوا وتزينوا بشعارات رنانة وأهداف براقة خداعة. ولا سبيل لرد الحقوق لأهلها إلا بحمل راية الإسلام والدفاع عن حقوق المظلومين، ونشر الرسالة السماوية التي شرفنا الله بها لنشر العدل والتسامح والتحضر في هذا العالم المضطرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.