شعار قسم مدونات

صخرة الاعتقال السياسي

blogs - اعتقال
بريق من أمل يظهر يوما في الأفق، ويعود ليختفي دهرا في ظلام النزاع والشقاق، ويذوب في دوامة المصالح.. فما إن تبحر سفينة القضية الفلسطينية، بربانيها الأخضر والأصفر نحو شط الوحدة، حتى تطفو على السطح صخور تحول دون وصولها لشط الأمان، ألا وهي صخرة الاعتقال السياسي، العائق الأول في سبيل تحقيق المصالحة بين شقي الوطن.

فما حقيقة مصطلح الاعتقال السياسي؟ وما هي المصالح المرجوة منه؟ وما هي المداخل القانونية التي تعتمدها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لإضفاء الصبغة الشرعية على هذه الممارسات التي يصفها البعض بـ"اللاوطنية" على حد تعبيرهم.. كثيرا ما يتردد على مسامعنا مصطلح الاعتقال السياسي، فتارة ما نسمع أصواتاً تنادي بوقفه، بل والوصول إلى حد تجريمه.. وفي الجهة المقابلة جهات رسمية تملك المبررات القانونية، والأدلة التي تتيح لها أن تعلن وبصوت عالٍ أن لا وجود لحدث يطلق عليه الاعتقال السياسي.. وفي الحقيقة أن الطرف الأول كان صادقا من حيث المضمون، كما أن الطرف الأخر كان محقا في ادعائه بنفي المصطلح، إذ لا يوجد أي تهمة في القانون تجرم المواطن سياسيا أو لانتمائه الحزبي.. بناء على ما سبق، ووفقا للمعطيات التي تم طرحها، وما احتوته من نفي لمصطلح الاعتقال السياسي، ووجود مبررات قانونية تسمح للأجهزة الأمنية من ممارسة هذه الأفعال "النشاطات الأمنية"، فلا بد من التطرق لهذه المبررات وتفصيلها.

بدايةً بالمبرر الأكثر شيوعا والمعروف قانونيا "إثارة النعرات الطائفية" والذي بمقتضاه يتم اعتقال المواطن ومحاكمته على أساس التطرق بقول أو فعل لأحزاب مخالفة له وقضايا سياسية قد تثير الفتن والمشاكل في المجتمع.. و"إثارة النعرات الطائفية" ليست وحدها المبرر القانوني الذي تتذرع به الجهات الرسمية، فبالإضافة إلى ذلك، وفي ظل الهبة الشعبية الفلسطينية، ظهرت جليا مفارقة قانونية وطنية، ألا وهي قضية سلاح المقاومة والمال "غير المشروع" الذي تستخدمه الحركات والأفراد المؤيدة لمشروع المقاومة، والرافضة لمشروع التسوية الذي تتبناه الجهات الرسمية.. فالسلاح والمال التنظيمي "السياسي" هي أمور محرمة في القانون وتشكل خطرا على أمن الوطن، إن كان كل ما سبق في سياق ظروف طبيعية في وطن مستقل.

متى سنحطم صخرة المصالح ونمضي بسفينتنا إلى شط الحرية متجاهلين مصالحنا الشخصية ومؤمنين أن لنا قضية كهذا الدين لا تعرف الموت ولا تخطئها الذاكرة.

الأمر الذي أدى إلى تناقض بين فكرة مشروعية سلاح المقاومة ومعارضة القانون له، وهو ما تستثمره الجهات الرسمية لتسيير مصالحها الخاصة لبقائها في سدة الحكم والحفاظ على مكتسباتها المادية والرمزية، التي نالتها وفق الاتفاقيات الأمنية بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي.. وليس بعيدا عن تلك الحقائق، كانت شهادة حاضرة، لمن عاشوا التجربة، وألقت بهم السفينة في قرعة باطلة، ظاهرها العدل وباطنها من قبله العذاب.. أولئك الذين فضلوا شرعية المكافح الذي يستمد شرعيته من قضيته، على شرعية المصافح المحتمي بنصوص قانون في ظل احتلال.

"خرِّيج مع وقف التنفيذ" هكذا عرف بين أقرانه، مصطلح من واقع قاموس المعاناة التي مر بها هؤلاء، فاستحوذت على مزاحهم وفرحهم واقعا وحديثا.. همام فتاش، من محافظة سلفيت، الطالب المتفوق في كلية الهندسة، اعتقل عشية مناقشته لمشروع التخرج، وحرم لحظة العمر التي ينتظرها كل طالب طموح ساع نحو أهدافه، وأحلامه، 60 يوما وأكثر، في زنازين جهاز المخابرات العامة، قضاها بين تحقيق وتعذيب، وحرمان من النوم.. ولأن الحكاية لا يرويها إلا صانعوها، كان لنا معه لقاء، وبالكاد انتزعنا الكلمات من فمه المكمم، لكن تعابير وجهه تكلمت بعشرات الكلمات التي أخفاها، أو لم يقو على قولها، كذلك جسده المثقل الذي لامس أشعة الشمس بعد ستين يوما من حرمانها، كان شاهدا أيضا على عمق المعاناة.

أجهزة السلطة تنفي ممارسة أي اعتقال سياسي في الضفة الغربية، وتعمد دومًا إلى تكذيب الأحاديث والروايات حول وجود حالات تعذيب يتعرض لها معتقلون على خلفية سياسية، حيث أكد اللواء عدنان الضميري الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية في عدة مناسبات، على أن "عمل الأجهزة الأمنية يخضع لرقابة شديدة ويجري فرض عقوبات على من يخالف القوانين" وفق تأكيده وتقول المؤسسة الأمنية الفلسطينية إنها على استعداد تام للتحقيق في أي تجاوز للقانون واتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة للحفاظ على حقوق المواطن".

ختاما، و في ظل السياقات القانونية والوضع السياسي الراهن، والاتفاقيات المبرمة والتي تم توضيحها مسبقا.. فإننا نزعم وصولنا إلى حقيقة مفادها، أننا وبغير علم منا وقعنا في مصيدة اتفاقيات وبناء دولة في ظل الاحتلال، مما أدى ذلك إلى وجود المبررات التي تحرم الشعب حقه في الدفاع عن قضيته بالكلمة والقوة والمال… فمتى سنحطم صخرة المصالح ونمضي بسفينتنا إلى شط الحرية متجاهلين مصالحنا الشخصية ومؤمنين أن لنا قضية كهذا الدين لا تعرف الموت ولا تخطئها الذاكرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.