يَا أَطْهَرَ النّاسِ.. إلى أبي

يا أطهرَ النّاسِ لا ذنبٌ فَنُتَّهَمُ |
|
وليسَ يحكُمنا طاغٍ فَنَحتَكِمُ |
|||
دَعِ النّوازِلَ تَنْزِلْ ساحَنا فلقدْ |
|
يَزِيدُنا الهولُ بأسًا حينَ يَحتَدِمُ |
|||
إنّا أَلِفْنا سُجونَ الظّالِمينَ فَلا |
|
سِجْنٌ دَخَلْناهُ إلاّ راحَ يَبْتَسِمُ |
|||
وَللزّنازِينِ تَرحيبٌ بِمَقْدَمِنا |
|
وَلِلقُيودِ رَنينٌ وَقْعُهُ نَغَمُ |
|||
يَظُنّنا صَنَمٌ أنّا سَنَرْهَبُهُ |
|
وليسَ يُدرِكُ كَمْ يُستَحقَرُ الصّنَمُ |
|||
|
*********** |
|
|||
واللهِ يا أبتي لَوْ عَبَّؤُوا دَمَنا |
|
في كأسِهمْ لَرَضِينا أنْ يَسيلَ دَمُ |
|||
واللهِ لو مَزّقونا في الوَرَى قِطَعًا |
|
وَبَعْثَرُونا فَغَصَّ القاعُ والأَكَمُ |
|||
لَمَا عَتِبْنا على شَعْبٍ يُسيّرُهُ |
|
طُغاتُهُ وعلى أنفاسِهِ جَثَمُوا |
|||
لَكِنّنا يا أبي نأسى على أُمَمٍ |
|
تُساقُ مَذبُوحةً مِنْ خَلْفِها أُمَمُ |
|||
إنّا قَطِيعٌ مِنَ الأغنامِ يَحكُمُها |
|
ذِئبٌ، وَتُرْغَمُ أَنْ تَرضى بِهِ الغَنَمُ |
|||
عَصْرُ اليهودِ، وعصرُ الصَّهيناتِ وَهَلْ |
|
حُكّامُنا اليَومَ إِلاّ عِندَهُم خَدَمُ |
|||
يُنَكِّلونَ كَما شاؤوا بِأُمَّتِهِمْ |
|
بِاسْمِ السَّلامِ فَلا وَاللهِ لا سَلِمُوا |
|||
لَوْ أَوْرَدُونا حِياضَ المَوْتِ أَجمَعَنَا |
|
لَكانَ أَهْوَنَ مِنْ أنْ تُشتَرى الذِّمَمُ |
|||
إنّا حَمِيْرٌ بِتَلْمُودِ اليهودِ، وَهَلْ |
|
رأيتَ يومًا حميرَ الحَيِّ تُحتَرَمُ؟!! |
|||
دَعِ الحَميرَ فلولا أنّنا بَشَرٌ |
|
(مُسْتَظْرَطُونَ) لَمَا دِيسَتْ لَنَا حُرَمُ |
|||
فَإِنْ تَرَ الشّعبَ تُدْرِكْ أنّهُ خَشَبٌ |
|
مُسَوِّسٌ، وَعَلى أنقاضِهِ رِمَمُ |
|||
مُنافِقُونَ، ودجّالُونَ ليسَ بِنا |
|
مِنْ عَيْبَةٍ غيرَ أنّا كُلّنا بُكُمُ |
|||
نَخافُ مِنْ ظِلِّنا إِنْ كانَ يَتْبَعُنا |
|
وَظِلُّنا الفَقْرُ والتّجوِيعُ والسَّقَمُ |
|||
نَمشِي مَعَ (الحِيْطِ) مَذعُورينَ دَعْوَتُنا: |
|
يا رَبُّ سِترَكَ … وَالصَّفْعَاتُ تَلْتَطِمُ |
|||
لا يَصْفَعُ الكَفُّ أَرْماحًا مُشرَّعَةً |
|
(فَحُطّ رَأسَكَ بينَ الرُّوسِ يا زَلَمُ) |
|||
إِنّي لأَعْجَبُ مِنَّا ألفُ عاصِفَةٍ |
|
تَدُوسُنا، وحُقوقُ النّاسِ تُهتَضَمُ |
|||
فَلا نُبالِي وَنرضَى في مُصِيبَتِنا |
|
بِذلّةٍ في جَبِينِ القَلْبِ تَرْتَسِمُ |
|||
|
***********
|
|
|||
مُصِيبَةُ الشّعبِ ما تنفكُّ واحدةٌ |
|
أنَّ الحُكوماتِ في أوطانِنا لَمَمُ |
|||
بِشِلَّةٍ أكبرُ (الشُّطّارِ) يَرأسُها |
|
مُهرِّجٌ فَطْحَلٌ مُستعبِطٌ فَهِمُ |
|||
وَخَلفهُ وُزراءٌ مِنْ حَظِيرتِهِ |
|
لَهُمْ كُروشٌ بِلا حَمْلٍ فَهُمْ عُقُمُ |
|||
يُحارِبونَ فَسادًا هُمْ دِعامَتُهُ |
|
وَقَبْلَهُ حَلَبُوا الأُردنَّ واقتَسَمُوا |
|||
السَّارِقُونَ بِقانُونٍ وَأكثَرُهُمْ |
|
عَلَى حِسابِ رَغِيفِ الشَّعْبِ قَدْ تُخِمُوا |
|||
وَالنَّاهِشُونَ ثَرَاهُ المَالِئونَ بِهِ |
|
بُطونَهم، وَرمًا يَنْمُو بِهِ وَرَمُ |
|||
يُجَعْجِعُونَ بِلا طِحْنٍ سِوَى وَسَخٍ |
|
عَليهِ رُبُّوا وَفِي أَحْضانِهِ هَرِمُوا |
|||
فَيَا أَسَاكَ وَيَا بَلْواكَ يا وَطَنِي |
|
يا مَنْ سَتُفْنِيهِ حَتَّى مَوْتِهِ الغُمَمُ |
|||
لَسَوْفَ تُذبَحُ والسّكّينُ مُلتَمِعٌ |
|
في كَفِّ مَنْ أَقْسَمُوا أَنْ تُفتَدى بِهِمُ |
|||
لَكِنَّهُمْ قَبَضُوا أَضْعافَ مَا دَفَعُوا |
|
وَقَسَّمُوكَ، وَهُمْ في أَصْلِهِمْ قِسَمُ |
|||
تَفَقَّدُونا بِلَيْلٍ بارِدٍ فَبَكَتْ |
|
عُيونُهُمْ بِدَمٍ، مِنْ بَعْدِ مَا عَلِمُوا: |
|||
أَنّا عَلَى الرِّيحِ مَنثُورونَ يَبْلَعُنا |
|
بَحْرٌ مِنَ الظُّلمِ، وَالأحقادُ والنِّقَمُ |
|||
فَمَنْ رأى الحالَ لا يَرْضَى بِهِ أبدًا |
|
ولا الأَصالَةُ تَرضاهُ ولا الشِّيَمُ |
|||
فَوَلْوَلُوا حَزَنًا أنّا رَعِيَّتُهُمْ |
|
وَصاحَ مُؤْتَمَنٌ فيهم ومُعتَصِمُ: |
|||
هل شعبُنا هكذا؟ وَيلاهُ كيفَ هَوَتْ |
|
حُقوقُهُ؟ أَوَما مَتَّتْ بِهِ رَحِمُ؟ |
|||
فَأَمْطَرُونا خِطابَاتٍ مُنفَّخَةً |
|
مِنْ نَارِها جَوْفُ هذا الشَّعبِ يَضطَرِمُ |
|||
وواعَدُونا فَسَاقَتْنا بِمَا وَسِعَتْ |
|
إِلى السُّجونِ كِلابٌ بُخلُها كَرَمُ |
|||
إنّي لأكتبُ أبياتي وَبِي وَجَلٌُ |
|
أنّ الكِلابَ بِبابِ البَيْتِ تَزدَحِمُ |
|||
فأيَّ عَصْرٍ إذًا نحيا؟ وهلْ وَطَنٌ |
|
هذا الّذي مِثْلَنا يحتلّهُ العَجَمُ؟ |
|||
عصرُ الخِياناتِ هذا العَصْرِ يا أبتي |
|
فكيفَ نَعجَبُ إِنْ كانوا اليَهُودَ هُمُ؟ |
|||
سَبعونَ عامًا بِلادُ العُرْبِ يَغْصِبُها |
|
أبناءُ مَنْ حَكَموا فيها وَمَنْ رَسَمُوا |
|||
لَهُمْ يَدٌ مِنْ حَديدٍ فوقَ رَقبَتِنا |
|
وَمِنْ حَرِيرٍ إِذا مُدّتْ لِمَنْ ظَلَمُوا |
|||
هُمْ بخّسُونا وباعُونا بِلا ثَمَنٍ |
|
وَمَزَّقُوا صَفّنا في التّيهِ وَانْهَزَمُوا |
|||
بَنَوْا لنا ألفَ سِجنٍ، بَينَها وَطَنٌ |
|
حُدودُهُ سُورُ سِجنٍ لَيْسَ يَنْهَدِمُ |
|||
فَكُلُّ فَردٍ غَريبٌ فوقَ مَوطِنِهِ |
|
وَهْوَ الّذي بِذُنوبِ الغَيْرِ مُتّهمُ |
|||
لا تَسألِ الشّعبَ يومًا عَنْ كَرامَتِهِ |
|
فَالشّعبُ في وَطَنٍ – مُستَورَدٍ – عَدَمُ |
|||
شَعبٌ تُعَدِّدُهُ البَلْوَى وَلَيْسَ لَهُ |
|
فِيما يُعَدَّدُ إِلاَّ أنّهُ رَقَمُ |
|||
|
*********** |
|
|||
وَاللهِ يا أبتي: يا ضَوْءَ مُقلَتِنا |
|
ويا شَرايينَ رُوحِي وَهْيَ تَلْتَحِمُ |
|||
إذا وَقَفْتُ ولمْ تَشفَعْ بِقَافِيَةٍ |
|
مَشاعِري، فَبِماذا تُدْرَكُ القِمَمُ؟ |
|||
ماذا أقولُ؟ يَموتُ الشِّعرُ مِنْ رَهَبٍ |
|
أَلاّ يُدانِيكَ، حتّى يُبهَتَ القَلَمُ |
|||
إنّي أُحِبُّكَ لو تَدرِي بِهِ دِيَمٌ |
|
لَسَوْفَ تَنهلُّ في تَسْكابِها الدِّيَمُ |
|||
دَعْنِي أَبُحْ بِسِنينِ العُمرِ مِنْ وَجَعِي |
|
فَقَدْ تَولّى حَديثَ المُهجَةِ الألَمُ |
|||
قَدْ صار يَنْكَا جِراحِي أنّها وَطنِي |
|
وَصار يَقتُلُني أنّي لَهُنّ فَمُ |
|||
بِلادُ مَنْ يا أبي تلك التي مَلأتْ |
|
جَوانِحي حَسْرةً واجْتاحني النَّدَمُ؟ |
|||
تلك الّتي فوقَها تَزدادُ غُربَتُنا |
|
وَفِي هَواها تَظَلُّ الرُّوحُ تَنْحَطِمُ |
|||
بِلادُنا؟ أمْ بلادٌ ليسَ تَعرِفُنا؟ |
|
وَقَوْمُنا، أَمْ يَهودٌ في العُروقِ نَمُوا |
|||
إِنّي أرى في مَنامِي كيفَ تَذبَحُني |
|
ويا أَبِي مَرّةً قد يَصْدُقُ الحُلُمُ |
|||
فَإنْ يَجِئْ صادِقًا يومًا فوا أَسَفَى |
|
فإنّما قَتلُونا مَنْ نُحِبُّهُمُ |
|||
فلا وَربِّكَ لا شَكوى ولا عَتَبٌ |
|
ولا خِصامٌ، ولا ضِيقٌ، ولا سَأَمُ |
|||
لَكِنّهُ الحُبُّ يتلوهُ الرِّضى وَعَسَى |
|
يومًا إِذا مَا قَضَيْنا يَصْدُقُ القَسَمُ |
|||
|
*********** |
|
|||
واللهِ يا أبتي يا مَنْ بِجَبْهَتِهِ |
|
نورٌ لَهُ تَنْحَنِي الأقمارُ وَالنُّجُمُ |
|||
إِنّي كَتَمْتُكَ حُبِّي غيرَ أنَّ دَمِي |
|
يَغتالُني وَعُروقِي فِيَّ تَضْطَرِمُ |
|||
يا أيُّها الرّجلُ المَرهُوبُ جَانِبُهُ |
|
لو كانَ غَيْرَكَ لَمْ تَحفِلْ بِهِ الطُّغَمُ |
|||
لكنّها الأُسْدُ تُخشَى وَهْيَ صامِتَةٌ |
|
فَكيفَ لَوْ زَأَرَتْ فالهَوْلُ وَالضَّرَمُ |
|||
إنّي وَجدْتُكَ مِثْلَ الرّاسياتِ وَقَدْ |
|
مَرَّتْ بِهِ نَسمَةٌ، مَا يَصْنَعُ النّسَمُ؟ |
|||
عَوّدْتَنِي جُرأةً في الحقِّ ما عَرَفَتْ |
|
خَوفًا، وَهَلْ كَلِماتُ الحَقّ تُكتَتَمُ ؟ |
|||
فَمِنْ مَضائِكَ قدْ هبّتْ عزائِمُنا |
|
وَمِنْ شَبابِكَ قَدْ شبّتْ بِنَا الهِمَمُ |
|||
حفّظْتَنِي الذِّكْرَ والأشعارَ في صِغَرِي |
|
حتّى غَدَتْ أُذُنِي بِالشِّعْرِ تَنْسَجِمُ |
|||
وَطَهَّرَ الذِّكْرُ أعْماقِي وَرَقَّقَها |
|
فَكُلَّما تُلِيَ القُرآنُ تَلْتَئِمُ |
|||
ويا مُعَلِّمَنَا صَبْرًا فَقَدْ نَزَلَتْ |
|
(لَتُبْلَوُنّ) وَفِيها الفَصْلُ وَالحَكَمُ |
|||
فَإِنْ سُجِنْتَ بِظُلْمٍ في مَعَاقِلِهِمْ |
|
فَاللهُ يُجزِئُ بِالحُسنَى وَيَخْتَتِمُ |
|||
لا يَبْزُغُ الفَجْرُ إِلاّ بَعْدَ حالِكَةٍ |
|
وإنّكَ الفَجْرُ تَخْشَى نُورَهُ الظُّلَمُ |
|||