شعار قسم مدونات

مؤتمر تركيا لمّة شتات لا أكثر

blogs - فلسطينيو الخارج

تجربة إنسانية في صور مختلفة صنعها الشتات واللجوء الفلسطيني، فمن أصقاع الأرض جاؤوا لا يقودهم سوى الشعور والانتماء للوطن، هكذا يوصف الإقبال الشعبي الملحوظ على مؤتمر فلسطينيي الخارج، الذي عقد في مدينة اسطنبول التركية، خلال اليومين الماضيين. توافدهم يحمل معان عديدة أهمها أن الفلسطيني في الخارج لا يزال يحمل قلباً ينبض، ويسافر طرقاً وأميالاً من أجل حلم بقي داخله أن يرى الوطن في أهله الموزعين قسراً على جغرافيا العالم.

ليس بالجديد أن يتم طرح العديد من المواضيع التي تمس القضية الفلسطينية ولا حتى ورش العمل التي تبحث عن إجابات لكثير من التساؤلات، كما أنه ليس بالجديد أيضاً أن يتم استضافة بعض المفكرين والشخصيات المؤثرة والملهمة، لكن ما أثار الانتباه هو حجم التفاعل بين القاعدة الشعبية التي أتت وشاركت وسعت لأن تكون جزءاً من رسالة مهمة. ترى القادم من أمريكا الجنوبية يصافح بحرارة ذاك القادم من الخليج وكذلك الحال مع القادم من فلسطين المحتلة يحتضنه ذاك القادم من بريطانيا، أو شقيقه من السودان، كل يبحث عن رائحة وطن لم يبقَ منه سوى حلم وفكرة، وأمل! تماماً كشعوري بتجمع شتاتي ولو قليلاً حين التقيت جزءاً من عائلتي القادمة من قطر.

لم يكن مهماً إذا ما كان مؤتمر"فلسطينيو الخارج" نجح أم لا؟ أو حقق أهدافه أم لم يحققها؟ فهو قد جمع الجاليات الفلسطينية التي تمثل وتحمل على عاتقها مهمة الوصول إلى العالم والمساهمة في صنع القرار والضغط أيضاً.

اجتمع المشتاقون ليتقاسمو الألم ويغرفوا من الحب والفخر والحنين فقبل أن تسلم أياديهم ترى عيونهم تسألك من أي بقعة جئت وما هي حكاية فلسطينيتك؟، فتبدأ تسرد على عجل جزءاً يسيراً من الحكاية وتتبادل المواقف ويأسرك شعور الأخوّة. بضعة آلاف كانوا، تتشابه الملامح، تشعر كأنك تعرفهم ورأيتهم ذات مرة، كبار السن يشبهون كبارنا، كما اللفظات واللكنات التي اعتدناها منذ الصغر، حتى ملابسهم تحمل ذات السمت العام.

عام وأكثر قليلاً مر على اغترابي، لكني اليوم شعرت أني في حارة داخل الوطن فبعد العيش بمدينة لا تعرفك ولا أنت تعرفها، وتنطق لغة غير لغتك وتكاد فرصة التقائك بشخص تعرفه معدومة. تلتقي أنت اليوم بأبناء وطنك، تمر من هنا فتجد زميل دراسة وهناك زميلة عمل ومن طرف آخر تسمع اسمك يأتي من بعيد فتقول: هل يقصدني هذا الصوت؟ من هذه؟ ليس معقولاً إنها صديقتي في المرحلة المتوسطة، نعم هكذا اجتمعنا مؤقتاً مع شتاتنا الحاضر، وتاريخ لحيواتنا السابقة.

لم يشدني إلقاء الكلمات المتتالية أو حتى يجذبني تكرار سماعي لتلك القصة الملهمة ولم أنهك نفسي في الإجابة على تلك الصحفية التي سألت عن تهميش واستثناء منظمة التحرير، فيكفي وجود كل هؤلاء الناس ليثبتوا قضيتنا دون حاجة لوساطات وأحزاب، نحن أحياء في قلوب كثيرة.. فلسطين لا تزال نضرة في قلوب يانعة وشائخة.. لم يكن مهماً إذا ما كان المؤتمر نجح أم لا؟ أو حقق أهدافه أم لم يحققها؟ فهو قد جمع الجاليات الفلسطينية التي تمثل وتحمل على عاتقها مهمة الوصول إلى العالم والمساهمة في صنع القرار والضغط أيضاً، فكل هذه الجهود هي الطريق الصحيح لما قبل الوصول.

فلسطينيو الخارج المنتشرون في الأرض يمثلون وجوداً نوعياً ونخبوياً في أماكنهم وهذا ما أدركه الاحتلال الإسرائيلي منذ زمن وسعى لتقويض قوته بتوقيع اتفاقية أوسلو واستثناء وجودهم من القرار السياسي المتعلق بالقضية، لكن هذا الاتفاق لم يكن ملزماً للقاعدة الشعبية فكما يحمل فلسطينيو الداخل الوجع هم أيضاً لديهم الكثير ليقدموه. قوة هذه الجاليات تكمن في حرية تنقلهم ونقلهم لرسالة فلسطين الحقيقية بالإضافة لمخزون المواهب المتنوع والذي يواكب حداثة توصيل الصورة، كما لديهم من الإمكانيات المادية ما يمكن أن يواجه ضغط اللوبي الصهيوني في الخارج.

إن خلاصة الرسالة التي قدمها الآلاف من الحاضرين تتلخص بتوقهم إلى الوحدة الوطنية قبل العودة، لا يهمهم من كان المنظم أو الجدل حول خلفيته ومموليه بقدر أهمية المشروع الوطني الذي يجب أن يبدأ بخطوة شجاعة على الطريق الصحيح، تليق بقضية عادلة عمرها يزيد عن مئة عام، وتحظى بإجماع إنساني لا ينضب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.