شعار قسم مدونات

استراتيجيات تسيير الشعوب (1) أمل يعيشون من أجله!

blogs-صرخات الشعوب

إن الطبيعة البشرية ترفض كل مطلوب جاء أمرا، ما لم يكن هنالك مقابل له يصب في المصلحة الشخصية للمخاطب، فالإعلانات التجارية مثلا والتي تسبقها دراسة معمقة للجمل الموجهة وطرق مخاطبة الجمهور قبل طرحها على شكل شعارات رنانة لجذب المشترين والزبائن، تأتي في المعتاد جملة طلبيه لا أمرية، وإذا كان الأمر فلا بد من مساو له على صيغة اشتر – تربح.. فكما تهدف الإعلانات والعروض التسويقية إلى التأثير على المستهلك وبالتالي إقناعه لغاية الوصول إلى هدف ما كالشراء – الاستهلاك.

 

تمارس الحكومات نفس الدورة على المواطن العادي لإيصاله إلى المبتغى منه، وبغض النظر عن ماهية ذلك الأمر وعن مدى أخلاقية ما تفعله، هذه الدورة تبتدئ بمجموعة من الاستراتيجيات لتسيير وتوجيه الشعوب بما يناسب طبيعة الحكم، دون أن يشعر المواطن بكونه يسير في طريق رسمت له من طرف قادة وسياسيين محنكين، وأن كل ما يمر به ما هو سوى خطة سياسية محكمة الحبك. عندما نتكلم عن تسيير الشعوب، يميل الكثيرون إلى الاعتقاد بسلبية هذا الأمر، ولكن هذا – في الحقيقة – لا يقتصر على الجانب السيئ فقط، إن استراتيجية التسيير تتوافق مع صلاح الحكومة، فلها القدرة على التوجيه لخدمة أغراض إيجابية دون أن تلاقي اعتراض كبير من طرف المواطن العادي لكونها تتم في الخفاء، كما يمكن استخدامها أيضا لتسيير الشعوب نحو مطامع شخصية باسم تلك الحكومات الفاسدة.

الأمر الذي سنناقشه من خلال الجزء الأول من هذا المقال هو أحد استراتيجيات تسيير الشعوب المعتمدة، ولنسمها (الأمل).
 

الأمل هو أن يكون الشخص متفائلا، ينتظر حدوث الأفضل، ويقال يأمل بمعنى أن أمرا إيجابيا على وشك الحدوث.. أمرا يصب في صالحه بطبيعة الحال… والإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون هدف في الحياة أو توقع معين، إذ أن حياته تصبح بدون معنى إذا لم تترافق مع غاية يصبو إليها وأمل يضفي على حياته رونقا خاصا. بدون أمل يفقد الشعب تلك الشرارة التي تجعله يستيقظ كل صباح للعمل، للدراسة أو غيرهما، ومهما تعددت أشكاله إلا انه دائما ما يأتي في قالب اجتماعي أو اقتصادي كأمل في الوظيفة، انتظار الأجر آخر الشهر والأمل في زيادته، أمل في الحصول على سكن، أمل في …. 

فجل ما تفعله الحكومات هو أن تحرص على أن يبقى ذلك الأمل موجودا وقائما طوال حياة ذلك المواطن، إنها لن تخبره بوجود أزمة اقتصادية وبالخطر الأمني الذي يهددها، بإتباعها هذه الاستراتيجية، ستعطيه أملا بحياة أفضل وسكن أوسع وأجر مرتفع لتلهيه عن الأزمة الاقتصادية التي تهدد بلده وعن الهجمات الإرهابية التي تحدث وسط مدينته، مثال: بمجرد إعلامه بتوقع صب زيادات الأجور بداية الشهر المقبل، سيمضي الشخص العادي أيامه يحصي ما تبقى من الشهر ليأخذ أجرته، وهذا ليس بالأمر الغريب لأن الإنسان كائن أناني بفطرته يميل إلى الاهتمام بالأمور التي تخصه على اهتمامه بالأمور ذات المصلحة الجماعية أو ذات النتائج بعيدة المدى، نفس الطريقة تستخدم عبر إسقاطها على حالات متعددة : السكن الذي وعدت به، الملعب الضخم الذي ينتظر بناؤه، السياسة المالية والاقتصادية التي يعتزم العمل بها بداية العام المقبل، المشروع التعليمي، المشاريع الاقتصادية الثلاثية والرباعية والخماسية والسداسية…الخ

ويظهر كل مرة مشروع ليخفي تحته أنقاض المشروع السابق الذي أخذ من الجهد ومال الشعب ما أخذ، وليفتح بعدها المواطن صفحة أمل جديدة بعد أن قلب الصفحة السابقة بملء إرادته . وتجده هكذا يمضي حياته في سلسلة غير منتهية من الانتظار والأمل، يسير بكامل قواه وفق السياسة المفضلة للسياسيين والحكومات، تلك السياسة المستعملة لإلهاء الشعوب عن أمور أكثر أهمية تحدث أمامهم .
 

الأمر لا يتعلق بسياسة الإلهاء بحد ذاتها إذا ما تم اعتناقها مؤقتا لأنها تشكل في معظم الحالات طريقة لحفظ استقرار الدولة والأمن العام، لكنها إذا ما أصبحت تمثل سياسة دائمة تتكئ عليها الحكومة لاستغباء الشعوب وتسييرها لخدمة مصالح شخصية، فهي أمر غير أخلاقي

ويلاحظ انتشار تلك الوعود بشكل خاص في الحملات الانتخابية، بحيث يربط المرشح السياسي عهدته بما استطاع من الأمل، بأن يقنع الجميع بأنه قادر على التغيير وفعل الكثير من الأمور، ولتجعل ذلك الأمل واقعا، ما عليك سوى أن تصوت له، وتجلس تأمل حدوث تغيير في البلاد والعباد. بمعيشة أفضل، بدخل مرتفع، وبتحسن في قيمة العملة.. الخ

الأمر لا يتعلق بسياسة الإلهاء بحد ذاتها إذا ما تم اعتناقها مؤقتا لأنها تشكل في معظم الحالات طريقة لحفظ استقرار الدولة والأمن العام، في انتظار التوصل إلى حلول جذرية في السياسة العامة للدولة وبالتالي النمو بها وتحقيق الصالح العام، لكنها إذا ما أصبحت تمثل سياسة دائمة تتكئ عليها الحكومة لاستغباء الشعوب وتسييرها لخدمة مصالح شخصية، فهي أمر غير أخلاقي، وجب هنا محاربته وتوعية الأفراد والشعوب بخطر الحكومات القائمة على سياسة الأمل ليؤخذ هذا في الاعتبار عند الاختيار والتصويت لمن يأخذ على عاتقه التسيير والنهوض باقتصاد البلاد .

يتوضح الأمر من خلال المناظرات والأسئلة التي تطرح قبل التصويت لمرشح دون الآخر، بحيث تكون قراراته قائمة على تحليل منطقي ودراسة اقتصادية وحلول قصيرة فبعيدة المدى يرغب في تطبيقها بمجرد استلامه دفة الأمور، ولنحرص على أنها ليست مجرد وعود غير منطقية بغية كسب الأصوات وإعطاء الشعب مزيدا من الأمل يحيى من أجله!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.