شعار قسم مدونات

من شابّة التسعة عشر عامًا لسيادة الرّئيس التسعيني

مدونات، رئيس
سيدي الرئيس: 

تعلّمنا في الصغر أن لا نتحدثَ عن الرؤساءِ خارجَ البيوتِ وداخلَها وأن الحديثَ في أمور الحكمِ والحكام محرّم ولٌقننا أن نقول الحق دائمًا إلاّ في الأمور التي تتعلق بالحكام، هذه فقط، نقول فيها باطلاً أو نصمت. لا أعلم مِمن تعلّمنا هاته المسلّمات ولا كيف توارثناها كل ما أعلمه أنَّنا خلصنا بعد أكثر من نصف قرن إلى أنَّها مسلَّمَات خاطئة فأقمْنَا ثورةً عليها وعلى الحكّام معها، ثورةً بفضلها أكتبُ لكَ اليومَ سَيدي الرّئيس.

فتحيةً طيبة وأمّا بعد،
مراسِلتُكَ مواطنة من هذا الشعب القليلِ عدَدٌه العظيمِ شأنه . مواطنة لم تكن في عداد المليون امرأة اللاتي انتخبنك ولم تختركَ -ولا غيركَ- رئيسًا لها لأنَّها لم تبلغ السنَّ القانونيّة للانتخاب بعد حين اٌقيمت الانتخابات التي صرتَ بها رئيسا، بالرغم من اهتمامها بشأن هذا الوطن حينها أكثرَ من كثيرين انتخبوكَ. 
 

شابّة لم يمضِ الكثير على إتمامها عامها التاسع عشر أي بينها وبينك سيدي- وقد أتممت عامك التسعين – أكثر من سبعين عامًا وفي الحقيقة لا يبدو لعاقلٍ أن رئاسةَ دولةٍ في عمر التسعين لشعب جلّه من الشباب أمر اعتيادي ولكنْ هكذا هم قوْمنا يحبّون الشيوخَ ويؤمنون بالتغيير والإصلاح على أيديهم؛ على كل هي وجهة نظر قد تٌصيب.

كان عتبُكَ شديدا على سابقيكَ في تهميش مناطق الظل حتّى شهدنا في عهدكَ من مات فيها برْدًا أو عاش حياةً لا تستحق العيش.

سيدي الرئيس: 
أكتُبُ لكَ ووعودكَ وخطاباتك أيّام حملتكَ الانتخابيّة تعيدُ وقعها في مخيلتي وتأبى أن تقبع في ذاكرة النسيان أو تُبعثر، لا زلت أذكرها كذكركَ ولازالت حاضرة عندي كأنْ لم يمضِ عليها سنتان وأكثر فذاكرتي ليست كذاكرة جيل سبقنا نسيَ ماضيكَ ونصّبَك رئيسًا ؛ أذكر جيدًا دموعَك من أجل الجائعين أيامها وأذكر عطفك على المحرومين وأذكر هيبة الدولة التي بها ناديت وتلك الشعارات التي رفعت .كان عتبُكَ شديدا على سابقيكَ في تهميش مناطق الظل حتّى شهدنا في عهدكَ من مات فيها برْدًا أو عاش حياةً لا تستحق العيش. 

وعدتَ كغيرك من المترشحين بإصلاح البنية التحتية لكنك، لسوء حظنا -أو ربما لحسنه-، لم تسارع في ذلك وأتحتَ لنا فرصة الاستمتاع بالسباحة شتاءً كلّما تحولت طرقاتنا إلى مسابحَ اٌعدّت بمياه الأمطار العذبة … وأيننا اليوم من كل تلك الوعود سيدي غير أننا تعلّمنا أن عطف السياسيين قبل الانتخابات قد يتحول بعدها إلى لا مبالاة وأن الخطابات الرنّانة الواعدة بالإصلاح والتغيير لا تغدو سوى أن تكونَ زيفًا؟ 

سيدي: أعلم جيِّدًا أنّك لا تحب كثيرا الحديث عن الماضي ولا عن الحاضر لذا من الأفضل أن أحاول دومًا جاهدة تناسيهما وأفكر بدلهما في المستقبل وهذا بالضبط ما فعلته ليلة استقبالي عامي التاسع عشر، ليلتها جالت بخاطري أحلام كثيرة وفكرت لو أن هذا الوطن يزدهر ويصبح العيش فيه مستطابا، يومَ لا يكون فيه جائعون ولا فقراء أو متسولون ويومَ يُحترَم فيه العالِم ولا يٌأكل حق العامل أي يومَ يرتقي المواطن إلى مرتبة الإنسان. تخيلت كيف سيقف العالم بجلّه عندها إجلالا واحتراما لثورتنا ويباركوننا شعبا وساسةً لنكتُبَ بالخط العريض في كتب التاريخ نجَاحنا … سيحقق عندئذٍ كل منا طموحه ويعانق أحلامًا راودته ضن يوما أنها صعبة المنال .

عجت شوارعنا يا سيدي بالمتسولين الذين افترشوا الأرض واتخذوا من السماء غطاءً لهم فجفت دموعنا نرثي حالهم.

و لم تدُم يا سيدي لحظات فرحي ليلة عيد ميلادي كثيرا وباءت في الأخير كل محاولاتي للبحث عن الأمل بالفشل عندما تذكرت الرقعة الجغرافية التي بها ولدتٌ وعليها أحيا، فاستيقظت من أحلامي وخلدت للنوم . ليلتها أحسست وكأنّي شارفت على عامي التسعين أو المائة وما عدتُ أكترث لتعداد السنوات . ولم ذلك ما دامت السنوات في وطننا تتشابه: لا جديد يعكرُ جمودها سوى ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض معدلات النمو إضافة إلى بعض الكوارث التي تطل علينا بين الحين والآخر ونعجز عن إيجاد حلّ لها. فأقنع سيدي شبابا في مقتبل العمر مع كل هذا بتحليهم بالأمل وتمسكهم بالحياة واهمس في أذن شاب حالم بالسلطة بأنه ربما سيحقق حلمه في عقده التاسع فأحلام الشباب في وطننا لا تتحقق إلاّ عندما يناهز عمر الواحد منّا على القرن..

رئيسنا الموقر:
مللنا وقوفًا في طوابير المرضى لا نعرف لنا مصيرا، نشكو من قلّة وسائل العلاج، ومللنا أكثرَ من ذلك العناقات الصباحية المسائية في وسائل النقل العموميّة بعد أن طالت انتظارنا في المحطات. عجت شوارعنا يا سيدي بالمتسولين الذين افترشوا الأرض واتخذوا من السماء غطاءً لهم فجفت دموعنا نرثي حالهم. وأكثر من كل هذا، سئمنا المسرحيات التي تُحاك في القصور وفي المجالس والتي ما عادت مشاهدها تنطلي عليْنا وكرهنا القبح القاسي الموجع الذي يُقذف إلينا بلا خجلٍ، نشاهده يوميا ونجاريه دون أن نعلم متى نهايته. فاقترب سيادتك إلى هذا الشعب المكلوم وأره من عطفك أيّام الانتخابات، اقترب لشبابٍ فقدُوا أملاً ودفنوا أحلامًا، اقترب أكثر وأكثر وفِ بوعودك التي قطعت: نحن بانتظار التغيير. 

سيدي: إنّنا نحب هذا الوطن رغم رغباتنا الملحة في الهجرة التي تجتاحنا من حين لآخر فلا تسرقوا منّا هذا الحب. وإنّنا مازلنا ننتظر الصبحَ من بين الظلام رغم اليأس الذي يصيبنا أحيانا فلا تقتلوا ما تبقى فينا من أملٍ..أخيرا وليس آخرا: أكتب لكَ سيادة الرئيس وأنا أعلم أنّها رسالة ليست مضمونة الوصول.. وتُصبحُ ونُصبحُ على وطنٍ أجمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.