شعار قسم مدونات

عن يونيسيتي.. تساؤلات لذوي العقول

blogs - market

انتشرت في الوطن العربي مؤخرا شركات متعددة تتعامل بما يسمى بالتسويق الشبكي على اختلاف أشكاله، وتعتمده كأسلوب تسويقي لمنتجاتها، وهو أسلوب يمكّن المنتسب من الحصول على المكاسب المالية والعمولات، من خلال شراء منتجات الشركة بمبلغ يعد بطاقة عضوية، ومن ثم استجلاب العملاء وتسجيل الأعضاء الجدد، لتزداد نسب الأرباح بزيادة عدد المنتسبين.

وقد لاقت مثل هذه الشركات استحسانا وإقبالا لدى شريحة كبيرة من الناس خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها المنطقة. أثار الانتشار الواسع لهذه الشركات جدلا كبيرا، ما بين مؤيدين ومعارضين. واختلف أهل الفتوى في الأمر، لكن بقيت هناك أسئلة تفتقر إلى الإجابات، ونقاط عديدة تحتاج التوضيح.

 

بعيدا عن الأقوال الشرعية في الأمر -رغم أهميتها وكونها أساسا وركيزة لأي عمل- لكن إذا افترضنا جدلا أن المسألة ضمن خانة " الاختلاف"، وأن هناك من أجاز في مقابل من حرم، فإليكم بعض التساؤلات التي لا بد من طرحها، (ولتكن شركة "يونيسيتي" المثال المطروح، فهي من أكثر الشركات انتشارا في الوطن العربي).

 

عند الانتساب لمثل هذه الشركات، هل يشتري المسوقون السلعة؟ أم يشترون العضوية بشرائهم للسلع؟ هل السلعة بحد ذاتها هي محل العقد أم هي العضوية؟

 

 يؤكد المروجون للشركة أن نظام العمل فيها شبكي وليس هرمي، على اعتبار أن النظام الهرمي محرم شرعيا ودوليا وبلا خلاف، إذ لا وجود للسلعة، لكن. هل نظام الشركة هنا هو شبكي حقا؟ أم هو هرمي مقنع؟ وحيلة ذكية قد تنطلي على الكثيرين؟ هل السلعة (المكملات الغذائية) حقيقية، أم هي زيف دعائي ووهم من نوع مختلف؟ هل التسويق الشبكي وجه جديد لنظام هرمي منهار؟ ولعبة جديدة تقوم على تغيير المسميات، لتحقيق الثروة على حساب من استهوتهم فكرة الثراء السريع؟؟ (يمكنكم الاطلاع عبر الإنترنت على الفرق بين التسويق الهرمي والشبكي وحقيقة تعاملات الشركة).

 

منتجات الشركة (المكملات) منتجات مجهولة، ولا وجود لها في أي صيدلية، وتباع بمبالغ كبيرة تستوفي الشركة من خلال ثمنها أرباحها وأرباح كل المسوقين، رغم أن السلعة لا تعدو كونها أغذية في الحقيقة رخيصة الثمن رخيصة التصنيع، كما أنها غير خاضعة للرقابة الصحية.. (بكل حال الشركة ليست غبية لتسوق لمنتجات غذائية قد تضر. ببساطة لئلا تخسر زبائنها)، وهنا يظهر سؤال: أين الشركات الكبيرة والموثوقة من فكرة البيع المباشر هذه؟ أين هي من النسب التي تقدمونها لفاعلية الـ (word of mouth) والتسويق بالمشافهة؟ هل غفلوا عن كونها الطريقة " الأنجح والأكثر ربحا"؟ لماذا لم نسمع عن شركات تبيع بضاعة موثوقة بهذه الطريقة؟

 

هل يحيا المسوقون المروجون للشفاء من الأمراض المزمنة، والمنادون بالحياة الصحية الخالية من المشاكل، نمطا صحيا حقا؟ هل تغير نمط غذائهم وحياتهم (صحيا لا ماديا)؟

هناك الكثير من شركات المكملات الغذائية الموثوقة والتي تباع منتجاتها في الصيدليات، ولا تروج لنفسها على أنها "المخلّصة من الأمراض المستعصية"، بل تذكر للمستهلك بمنتهى الصدق والأمانة أن منتجاتها لا تعدو كونها مكملات غذائية مساندة مساعدة وليست أساسية، كالفيتامينات والمواد الغذائية التعويضية لبعض المعادن (الحديد والزنك وغيرها).. كل هذه الشركات تسوق لمنتجاتها كأدوية في أماكن بيعها الطبيعية وهي الصيدليات، وتقدمها للمستهلك بوضوح أنها تخلو من المستحضرات الكيميائية، فأي الطريقين يبدو أكثر منطقية وأمانا؟ أن أشتري _ أنا المستهلك العاقل _ أدوية من عامّي في الطب يعتمد على منشور، ويسوّق لما لا يعرف عنه إلا ما كتب في منشوره، مخمنا حاجتي ومرضي وعلاجي أم من صيدلية خضعت بضاعتها للرقابة؟

 

هل يلغي وجود بعض "قصص النجاح" لمن جرب المكملات وانتفع بها صحيا، المئات بل الآلاف من الحالات التي لم تنتفع بها؟ ألا يشبه الأمر قصص من تداووا بالعسل أو الحبة السوداء والتلبينة وغيرها من الأغذية؟ ما الجديد والمدهش في الأمر؟ ثم أليس من الوارد أن تؤثر بعض المنتجات سلبا على بعض الأجسام كما هو الحال مع بعض الأعشاب؟! من الضامن إن حصل ذلك؟! ومن الذي يتحمل المسؤولية؟

 

هل يحيا المسوقون المروجون للشفاء من الأمراض المزمنة، والمنادون بالحياة الصحية الخالية من المشاكل، نمطا صحيا حقا؟ هل تغير نمط غذائهم وحياتهم (صحيا لا ماديا)؟ هل يؤمنون بالفكرة حد الترويج لها؟ أم أن مكملاتهم مجرد هامش في رحلة الثراء؟ هل يسوقون لها لأنهم مشفقون على الناس وأنماط غذائهم، أم لأن البضائع التي اشتروها كبطاقة عضوية بمبلغ ليس بالقليل، تتكدس أمامهم؟ هل صحة الفرد همّ حقا؟ أم هامش دعائي. والقصد هو المال والثراء؟ وإن لم يكن كذلك، فلماذا يكون الثراء هو مدار الحديث في المؤتمرات واللقاءات والتدريبات التي يتلقاها المسوّقون؟
 

المدرب يدعو المتدربين ليكرروا: أنا غني. أنا ماكينة أموال. أنا أساعد الآخرين على الثراء (لا يذكرون الصحة بالمناسبة!).. أنا مغناطيس أموال. أنا مجنون أموال! هل هذه دعوة لنمط حياة صحي؟

 

هل يشبه الأمر التجارة والأرباح؟ أم أن المسوق يستعمل السلعة كوسيلة لكسب العملاء الذين هم أساس الثراء في العملية؟ هل الربح هنا. هو ثمن بضاعة "مفيدة" تُباع، أم عضو يُضم إلى الشبكة ويزيد من أرباح المسوّق القائد، مع كل عضو يدخل تحت اسمه؟

 

أن يصبح الثراء السريع هو مشروع الحياة، وحديث العائلات والأصدقاء، وسمة العلاقات الجديدة للمسوق، أمر يدعو إلى التوقف. هل هذه هي الفكرة السامية التي تحقق الحياة السعيدة حقا؟

 

العقلية الفقيرة. الموظف المستنزف مضيّع الجهد والوقت. الفرد الكادح مقابل أجور محدودة. باتت تلك وغيرها الأوصاف التي يصف بها المسوقون الإنسان الذي يتقلد الأعمال الحياتية الطبيعية التي لا تستقيم الحياة إلا بها. لمثل هذه الأفكار…نرى الكثير من الشباب والرجال يتركون أعمالهم ووظائفهم "البائسة"، بحثا عن الثراء. وبأقل مجهود. تحت مظلة الشركة، بعد أن نقلهم الحديث عن الثراء من الشعور بالرضا عن الذات والعمل، إلى عدم الرضا والشعور بأفضلية الأثرياء أصحاب الربح السريع، لتصبح الأفضلية أفضلية مادية بحتة. والسؤال: هل الاستكثار من المال هو الهم الذي لا بد أن يؤرق المرء، أهو بالفعل ميزان التفاضل بين الناس؟

 

هل تخلي الكثير من المنتسبين للشركة عن وظائفهم ومنابرهم أيا كانت…بعد أعوام من تحقيق الذات وإنضاج الفكر وتطوير المعارف والمهارات، والانسحاب نحو الثراء وأضوائه. السيارات والمكافآت والرحلات…هل هو مبرَّر حقا؟ أهو جزء من إعمار الأرض فعلا؟ أم هو راية استسلام. وتنحّ عن الوظيفة الحقيقة لإنسان الكون؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.