إن ما دفعني لكتابة هذا المقال وعنونته بهذا العنوان، عدة مواقف بعضها حدث لي وبعضها الآخر سرد لي وروى أمامي في الأيام القليلة الماضية، قبح وجه أصحابها بفعلها، فلا أدري كيف يعيش هذا الشخص وينعم بحياته ونومه وقد خلف وراءه هذه البذاءات، وهي بالطبع تصرفات فردية لا تسيء للمهنة بمجملها، ولكنها بالتأكيد تسيء لفاعليها، فهذا التاجر قد ملأ خزائنه بالسلع الغذائية محتكرا إياها، وترك الشعب في صراعه الدائم للحصول على الزيت والسكر، أما العامل في محطة الوقود فهو يجيد ملء خزان الوقود بالهواء لا الوقود، وبذلك يكون سعر لتر الهواء مساويا لسعر نظيره من الوقود، ولو أخذت جولة على ضفاف النيل، ستجد أنه أصبح مقبرة للحيوانات النافقة، وتحول لونه الأزرق إلى ألوان عدة صبغت بلون مخلفات المصانع.
أما في المدرسة فقد أصبح المعلم هو ذلك الشخص المعلن عن مزايا المركز التعليمي الذي يعمل به، وتناسى دوره التربوي العظيم تماما، وهذا المحامي الذي بمثابة الدرع الواقي والحصين للقانون، يستخدم مختلف الطرق وشتى ألوان الحيل للدفاع عن المخالف للقانون سواء كان قاتلا أو سارقا أو سالكا أي درب من دروب مخالفة القانون، وهذا البائع الذي يطفف الميزان ولا يبالى، وهذا الطبيب الذي اتخذ من تجارة الأعضاء البشرية مصدرا للربح، وهذا الموظف المرتشي عديم الأخلاق والضمير، وهذا الفلاح الذي يدس السم في الطعام بريه المحاصيل الزراعية بمياه الصرف الصحي، وهذا الإعلامى الذي ضلل شعبا بأكمله، وآخر أفقدته ضراوته في الهجوم والمعارضة وعدم الاتزان قيمة ما يفعل، فأصبح باهت التأثير، وشاب آخر تحرش بفتاة فأضاع حاضرها ومستقبلها…
إن وباء قلة الأخلاق الذي أصاب المجتمع في الآونة الأخيرة، والذي أصبح ينتشر بين أفراده انتشار النار في الهشيم، ينذر بشدة إلى كارثة كبرى ستلحق بنا كالكوارث التي لحقت بالأمم السابقة. |
إن مظاهر الفساد (العرض الأكثر ظهورا في جسد المعتل بقلة الأخلاق) عديدة ومتنوعة، ومنابعه ما زالت تفيض وتجود، وتنتقل من جيل إلى آخر في نظام دقيق محكم، فقد نتصور أن الجهل هو أحد منابع الفساد الذي هو أحد مظاهر قلة الأخلاق، وقد يكون الفقر هو التربة الأكثر خصوية لتنامي هذه الظاهرة، وقد يكون التنوع الفكري وتعدد الطوائف الفكرية بين الناس، ووجود خلل واضح في تطبيق القوانين، جعل من الأخلاق شيئا نسبيا بين أفراد المجتمع الواحد، وهذه كارثة في حد ذاتها، فنسبية الأخلاق بين المجتمعات أمر طبيعي، لكنه أمر غير صحي ونذير شؤم بين أفراد المجتمع الواحد، وبذلك يكون تطبيق القانون أولوية لدى الحكومات التي تريد الحد من ظاهرة قلة الأخلاق، فتطبيق القانون يعني دولة عادلة، وإن كانت (الدولة العادلة) هي أحد طرفي معادلة رياضية، فإن الطرف الآخر لا يكون إلا "شعبا يمتهن حسن الخلق"، ولكن ماذا عن ظاهرة قلة الأخلاق في المجتمع؟ هل هذا دليل على أننا لسنا دولة قانون؟
إن هذا الوباء (قلة الأخلاق) الذي أصاب المجتمع في الآونة الأخيرة، والذي أصبح ينتشر بين أفراده انتشار النار في الهشيم، ينذر بشدة إلى كارثة كبرى ستلحق بنا كالكوارث التي لحقت بالأمم السابقة، جراء قلة أخلاقهم مع أنبيائهم ومخالفتهم دعوة أنبيائهم إلى عبادة (الله عز وجل)، وبذلك نصبح عبرة للأجيال القادمة، ومصدر إلهام للوعاظ في مجالس الوعظ والذكر.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.