على بعد أمتار من خيمته يقف الكنعاني المغدور متوخيا الحذر تارة والصدمة تارة أخرى. يطل من منفاه البعيد على فلسطينيته الشائكة والمعقدة تعريفا واصطلاحا تحت مفهوم الوطنية أو تبعا لذاكرة التراب المشتعل بماضيه وبين الازدواجية السياسية في أروقة البيت الفلسطيني صاحب التمثيل الشرعي والوحيد لكل فلسطيني العالم أينما حلوا.. ولكن الحقيقة أبعد من قرار سياسي يمثل على اللاجئ الفلسطيني ولا يمثله.
نعم بهذه العبارة المختصرة ربما نستطيع أن نسقط ضوء الضمير والحبر على قضية تعتبر من أهم وأدق القضايا المرتبطة بمصير اللاجئين الفلسطينيين عموما وفلسطينيو سورية خصوصا فمن بين مئات ألوف الأرقام الحية التي أودعها النظام السوري قيد التعذيب.. والتي تحول قسم كبير منها إلى جثث أرقام يقف المعتقل الفلسطيني اللاجئ حائرا من هول الصدمة وتجدد التغريبة الدامية في منفاه يردد صدى وجعه اليومي تحت نير سياط نظام يدعي أنه يقاوم من أجل مصيره وحريته.
المشهد الأكثر قهرا ووقعا على القلب والروح هو النوم العميق الذي تحظى به قيادات العمل الوطني الفلسطيني وعلى رأسها منظمة التحرير. |
لكن الوقع الأكثر إيلاما وحفرا في باطنه هو غياب ممثله الشرعي والوحيد عنه أمام محاكم الإرهاب والبطش اليومي.. لتراه يفكر بصمت وبجدية أكثر بعدا عن عرش السلطان ومقر السلطة.. وهو يشاهد بعينيه المشدودتان بقوة نحو العودة.. كيف يسفك دمه في كل دقيقة على بساط الريح العربي اثنا عشر ألف معتقل هي الإحصائية الرقمية الأخيرة الغير ثابتة للمعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام السوري لعام 2016 حسب مركز توثيق المعتقلين الفلسطينيين في سورية بينهم 765طفل فيما تحول 503 إلى جثث رقمية قضوا بفعل العمل المقاوم داخل سجون الطغيان الأسدي.
لكن المشهد الأكثر قهرا ووقعا على القلب والروح هو النوم العميق الذي تحظى به قيادات العمل الوطني الفلسطيني وعلى رأسها منظمة التحرير فبينما قد تم تشكيل مؤسسات رسمية فلسطينية من أجل الأسرى الفلسطينيين في سجون المحتل وسجون السلطة الفلسطينية وأخرى غير رسمية وغير حكومية من أجل سجناء الرأي في مناطق سيطرة سلطة أوسلو.. لم يحظى الفلسطيني اللاجئ داخل معتقلات الممانعة بسطر واحد على الأقل من خطب الانطلاقات والتأسيس المجيدة فربما سقط خجلا وخيبة وربما خوفا من المحتل والطغيان العربي أو ربما حفاظا على المصلحة القومية المشتركة بين البلدين.
لا صدى للكلمات المتقدة بقهر العذابات اللا منتهية في هذه المساحة المنسية من تضاريس الكون والطبيعة سوى الأنين نفسه.. ترى أي أبجدية تستوعب هذا الكم الهائل والمركز من الصراخ والألم. |
هذه الأرقام الألفية في المنافي الفلسطينية ترفع أذان الحرية ليل نهار في حضرة الاعتقال وتبحث عن حل لوغاريتمي منصف ينهي متتالية العذاب القسري والوحشي في مساحة جغرافية ربما لا تتجاوز المتر المربع الواحد المعزول عن قيد الحياة اليومية وفعل الكون الطبيعي.
تتواصل كلمات الأنين في ليل الزنزانة المظلمة ولا صدى لصوتها المثقل بالدم والالم المسجى بين ثنايا جدران الزنزانة.. إلا سؤال واحد يطرحه منطق المنفى احتمال الوطن المتكون في جسد المعتقل: هل نحن فلسطينيون لنا من يمثلنا في دوائر التنكيل أم تتمة لأرقام وحسابات سلطوية لا تتخطى فراغ المقاطعة ونسبية التمثيل الفصائلي في مؤتمراتها السنوية؟
لا صدى للكلمات المتقدة بقهر العذابات اللا منتهية في هذه المساحة المنسية من تضاريس الكون والطبيعة سوى الأنين نفسه.. ترى أي أبجدية تستوعب هذا الكم الهائل والمركز من الصراخ والألم المتتابع كدورة كونية لا تنتهي في ليلة يظنها المعتقل أنها لن تنتهي في مساحة ضيقة لأحد أو نهاية لظلامها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.