هذا حوار افتراضيّ، لم يَجرِ في الواقع. لكنه محاولة خيالية لاستنطاق أليكسيس سانشيز، لقول أراء ربما لا يصح البوح بها علنًا. وربما تكون الأسئلة والإجابات من الخيال، لكن الأكيد أنها تحكي كثيرًا عن الواقع.
هل أنت نادم على الرحيل عن برشلونة؟
الندم ليس الكلمة المناسبة، فلو رجع الزمن إلى الوراء، سوف أكرر اختيار الرحيل. عندما وقّعت للبرسا كانت التوقعات مرتفعة للغاية؛ خاصة بعد تتويجهم بلقب الأبطال الرابع في 2011. كنتُ صغيرًا وأسعى للتعلم من مرافقة تشافي وميسي، والتتويج بالألقاب معهم. لكن الألقاب في هذه السنوات الثلاثة كانت قليلة، والموسم الأخير كان صفريًا بلا ألقاب. وفي إسبانيا لا ترضى الجماهير بالوصول لنهائي الكأس والمنافسة على الدوري حتى المباراة الأخيرة ودور الـ 8 للتشامبيونزليج. في أماكن أخرى قد يرى الجمهور هذا الموسم ناجحًا. لكن ليس في الفرق الكبيرة مثل برسا وريال مدريد، فالكبار يجب أن يحصدوا الألقاب.
ليفربول نادٍ عريق، لكن الطفرة التي حدثت في موسم 2014، كانت بسبب وجود ثنائي الهجوم المتميز سواريز وستوريدج. وكانت الخطة حينها أن أكون بديلا لسواريز. لكني رأيت أن النادي لا يمتلك استراتيجية منظمة حقيقية تنتهي به إلى منصات التتويج |
اتجهت الأنظار في النادي حينها إلى التعاقد مع قلب هجوم كحلٍ أمثل لمشكلات الفريق الفنيّة. وتعاقدوا مع لويس سواريز. وعلى الرغم من قدرتي على اللعب في المراكز الهجومية الثلاثة، إلا أني رأيت المنافسة ليست منطقية، فقررت الرحيل، ولست نادمًا على ذلك، فقط كنتُ أتمنى لو أن إنجازاتي مع برشلونة كانت أكثر.
هل يعني هذا أنك انسحبت من المنافسة؟
(يجيب بتوتر) بالقطع لا. هذا يعني أنه لم تكن هناك منافسة. كان يمكن أن أقدم أفضل ما لدي، ولن أستطيع أكثر من حجز مكان على دكة الاحتياطي لأحد ثلاثي الهجوم. ليس لأني أقل منهم في المستوى، ولكن لأسباب تتعلق بحجم الأموال التي أُنفقت في صفقات سواريز ونيمار، ووجوب مشاركتهم بصورة أساسية. بيدرو اختار البقاء، ثم أدرك لاحقًا أنه ليس القرار المناسب ورحل. أما أنا فأردت خوض تجربة أخرى، والاستمرار في تطوير مسيرتي.
أتذكر أن ليفربول أرادوا شراءك ضمن صفقة سواريز، لكنك فضلت أرسنال. فلماذا؟
ليفربول نادٍ عريق، لكن الطفرة التي حدثت في موسم 2014، كانت بسبب وجود ثنائي الهجوم المتميز سواريز وستوريدج. وكانت الخطة حينها أن أكون بديلا لسواريز. لكني رأيت أن النادي لا يمتلك استراتيجية منظمة حقيقية تنتهي به إلى منصات التتويج. وأن دوري مع الفريق كان ليتحول إلى عبء تكرار هذه الطفرة.
الوضع مختلف مع أرسنال. فعلى الرغم من بُعد الفريق عن الألقاب منذ 2004، إلا إنه يمتلك درجة من الثبات المحلي وفي أوروبا. لا يفوز بالدوري لكنه على مسافة قريبة دومًا من حامل اللقب. وفي أوروبا فهو عضو دائم، وربما بعض الحظ السيئ هو السبب في الخروج المستمر من دور الـ 16. لكن الفريق يضم عددًا من الشباب واضحي الموهبة، ومدربًا كان دومًا محل إعجابي. وكنت أظن أن الفريق يحتاج دفعة بسيطة تعود به إلى منصات التتويج، وأني سأمثّل هذه الدفعة. أرسنال كان المكان المناسب لي، كما رأيت. أرسنال يشبهني بصورة ما.
كيف يشبهك؟
(يبتسم) هذا يتطلب الكثير من الشرح! رحلتي مع كرة القدم كانت تصاعدية، ولم أكن واحدًا من اللاعبين اللاتينيين الذين يتألقون لموسم أو اثنين في بلادهم، فينتقلون مباشرة إلى برشلونة أو الريال. لكني بدأت في سن السادسة عشرة مع كوبريلوا في تشيلي، وكنت أصغر لاعب يشارك في كوبا ليبرتادوريس. وفي الموسم التالي وقّعت لنادي أودينيزي، لكني لم أذهب إلى الكالتشو مباشرة، وكان على التطور أكثر في إعارتين واحدة في كولو – كولو، وهو النادي الأكبر في تشيلي، ثم ريفيربليت. وبعدها ذهبت إلى إيطاليا.
الموسم الأول لي هناك لم يكن استثنائيًا. كان صعبًا إلى حد كبير. لكن الموسم الأخير كان ناجحًا جدًا، وكنت أنا ودي ناتالي الثنائي الأهم في إيطاليا، وأحرزنا 39 هدفًا. واعتبرني الكثيرون حينها أفضل لاعب ناشئ في 2011، واعتبرني آخرون أفضل لاعب في إيطاليا. وبعدها وقّعت على الانتقال لبرشلونة.
كما ترى، كان المنحنى تصاعديًا في كل مراحله، ومنحنى الأرسنال إن كان لا يصعد، إلا إنه بالتأكيد لا يهبط أو يتخبط. وظننت حينها أن المنحنيين سيلتقيان في نقطة تصعد بنا سويًا. والنادي كذلك لا يذهب ليشتري أغلى وأحسن لاعبين في العالم، لكنه يختار بعناية اللاعب الذي يحتاجه. والجماهير لا تصرخ وتهدد بذبح اللاعبين عند الخسارة، لكنهم يريدون الأداء ومن ثمّ الألقاب. وكنتُ أنا الرجل المناسب في اعتقادهم، وفي اعتقادي أيضًا.
لكنك لم تحقق مع أرسنال حتى الآن إلا لقب كأس الاتحاد. هل هذا كافٍ لك؟
بالقطع لا.
هل يعني هذا أنك لم تكن الرجل المناسب لهم، أم يعني أنهم لم يكونوا النادي المناسب؟
هذه الصياغة خاطئة. لا يمكنك أن تخيرني بين هذا أو ذاك.
لكن كل حديثك يقود إلى هذا السؤال، ويجب عليك إجابته
لا يجب على شيء.
لماذا إذا تشاجرت مع زملائك في المران وتجاهلت مصافحة المدرب؟
هذا أمر مستفز! لقد أجبت عن هذه التساؤلات سابقًا بالفعل.
أنا لا أقصد استفزازك. فقط أريد إجابة أقل دبلوماسية، وأكثر صراحة. لنبدأ بمباراة بونموث التي تعادل فيها جيرو 3-3. لم تبدُ راضيًا، لماذا؟
لأن الجميع بدا راضيًا عن نتيجة التعادل؛ اللاعبون والمدرب والجمهور. بينما كنتُ أفكر أنا في العودة بالكرة للمنتصف من أجل هدف الفوز، وجدت جيرو يتجه نحو الخط للاحتفال بهدف تعادل على طريقة العقرب. وحينها تخيّلت أني مخطئ. أو أن الجميع يرى الأمور بصورة مختلفة عما أراه أنا. خاصة أن الفريق حقق الفوز في بقية مباريات يناير.
ثم جاءت الهزيمة أمام بايرن ميونخ في الذهاب ..
صدقني لم أتشاجر مع زملائي. لكني كنتُ في مشاجرة مع نفسي. كنتُ غاضبًا من شعوري بكوني المجنون الوحيد الغير راضٍ عن وضعنا. وغراب البين الرافض للاقتناع بتصريحات المدرب وحديثه لنا في غرف الملابس. |
لم أفهم تصريحات المدرب بعد هذه المباراة. لقد تلقينا 5 أهداف. كانت كارثة حقيقية. لكنه خرج بعدها يذكّر الصحافة بأن النادي قبله لم يكن بطلاً متوجًا، وأنه السبب في صعودهم بصورة مستمرة لدوري الأبطال خلال العقدين الأخيرين. لم أفهم! .. الأندية الكبيرة لا تنظر إلى ما حققت، بل تنظر إلى ما ينقصها. أما أن نفشل في تجاوز دور الـ 16 لثلاثة مرات متتالية، ونخرج كذلك من السباق على الدوري، ثم يخرج المدرب ليعلن أن الأمور على ما يرام، فأنا لا أفهم ذلك.
هل هذا هو سبب الشجار مع زملائك في المران؟
صدقني لم أتشاجر معهم. لكني كنتُ في مشاجرة مع نفسي. كنتُ غاضبًا من شعوري بكوني المجنون الوحيد الغير راضٍ عن وضعنا. وغراب البين الرافض للاقتناع بتصريحات المدرب وحديثه لنا في غرف الملابس. خرج هذا الغضب في صورة عشوائية في وجه من حولي. وأنا اعتذر عن ذلك.
لكنك لم تصافح فينجر بعد مباراة ليفربول التي جلست فيها احتياطيًا ..
لم أره! كنت أنظر إلى حذائي وأنا أغادر الملعب. قبل هذه المباراة أخبرني بأني الصفقة الأهم في السنوات العشرة الأخيرة للنادي. وأن عدم البدء بي يرجع لأسبابٍ فنية. وتمنيت في نفسي أن يكون على حق، وأن أسبابه أكثر تعقيدًا من أفهمها. وتمنيت أن يفوز الفريق من دوني. لأن حينها سأخبر نفسي بأني على خطأ، وأن الجميع على صواب. وهذا أسهل من أن أكون الوحيد الذي يرى حقيقة يرفض الجميع الاعتراف بها. لكننا انهزمنا بشكل مهين. خرجت من الملعب وأنا أنظر تحت قدمي، وأفكر إن كنتُ أهم صفقة في السنوات الأخيرة، فهل أنا عاجز عن إحداث الفارق؟! .. هل أفكار المدرب أعمق وأعقد من أن أفهمها؟! .. هل يصح أن أحيي الجماهير التي جاءت خلفنا من لندن؟!
لكن خماسية بايرن تكررت في لقاء العودة، وتكررت ابتسامتك ..
(يجيب بضيق) لم أكن ابتسم. كنتُ محبطًا. المدرب لا يمتلك شيئًا لا أفهمه؛ بل لا يمتلك أكثر من لوم الحكم. اللحظة التي تدرك فيها أنك لم تكن مخطئًا، ليست سعيدة دومًا. أن ترى الملك عارٍ تمامًا كما يقولون.
هل يعني هذا أنك نادمٌ على القدوم إلى أرسنال؟
لا .. هذا يعني أن ما قدمت إليه في أرسنال كان موجودًا منذ 10 سنين، لكنه ليس موجودًا الآن. في برشلونة، كان "سيسك فابريجاس" يحكي أساطير عن فينجر. ودوره في تطوير لاعبيه. ربما لو جئت هنا منذ 10 سنين، لاستطعت أن أقابل نسخة أخرى من فينجر أكثر طموحًا وأقل عنادًا. مسيرتي كانت في تصاعد كما أخبرتك، وما زالت تتصاعد كما أرى، لكن مسيرة النادي تشبه خط مستقيم لا يتصاعد، ولا يريد أحد له أن يتصاعد وهذا لا يناسبني.
لستُ خريجًا جامعيّ مثلك، ولم أتعلم من الكتب والمحاضرات. لكني كنتُ عاملاً في المناجم وأعرف جيدًا أن الهروب في لحظة تحتاج وجودك قد يعني تهديد حياة الآخرين. |
إذن هل هناك مفاوضات حقيقية مع بايرن أو يوفينتوس أو PSG؟
الاسماء لا تهم. لو كان الأمر كذلك، لفضلت البقاء في برشلونة. لكني أحاول التحرك إلى الأمام، وأي فريق يهدف إلى ذلك، سوف يكون مكاني المناسب.
لكن أرسنال متمسك ببقائك، وقدموا عرضًا بـ 180 ألف باوند كما سمعنا ..
هذه هي المشكلة. أن يرى النادي رفع قيمة راتبي حلاً لكل المشكلات الدائرة الآن. هذا نوع من الاستخفاف. أو تفضيل التعامي عن حقائق واضحة للجميع إلا هم. أرسنال لن يذهب إلى أي مكان بهذه الطريقة في النظر للأمور.
هل فكرت أن المشكلة قد تكون بك أنت؟ وأن رحيلك الآن يعني الهروب؟
(يجيب بنفاذ صبر) انظر! .. لستُ خريجًا جامعيّ مثلك، ولم أتعلم من الكتب والمحاضرات. لكني كنتُ عاملاً في المناجم وأعرف جيدًا أن الهروب في لحظة تحتاج وجودك قد يعني تهديد حياة الآخرين. وأعلم أن الحالة في أرسنال الآن تشبه مجموعة من الناس يريدون البقاء في قلب منجم ينهار، ولا يريدون النجاة. وقبولي عرض التجديد مع استمرار هذه الظروف يشبه اختيار البقاء طواعية في منجم منهار. وأظن أن هذا كل ما لدي لقوله.
لقد انتهت المقابلة على كل حال. هل تود توضيح شيء آخر؟
لا! .. إلى اللقاء (ينهض ويغادر دون انتظار رد)
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.