وكان من بين من هرب من بطشهم شابان من أبناء "معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان"، حيث انقطع بهما الطريق على ضفاف نهر الفرات ليجدا نفسيهما في مياهه بعد أن أدركتهما خيل بني عمومتهما، ومع وعود الصفح والعفو استسلم أحدهما فغُدر به وقتل، وواصل الآخر وهو "عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي القرشي" طريقه هاربا من بلاد الشام إلى مصر فالمغرب العربي، لينتهي به المطاف بعد ما يقرب من ست سنوات إلى الأندلس.
نصحوا "المعتمد بن عبّاد" بألاّ يستدعي "يوسف بن تاشفين" ورجاله "المرابطين" خوفا من استيلائهم على الأندلس، فأجابهم بعبارته التي دخل بها التاريخ من أوسع أبوابه "رعي الجمال خير من رعي الخنازير"! |
استطاع بعدها إنهاء فترة ما عرف بعصر الولاة، وليقضي 33 عاما في الحكم، أخضع فيها الثورات، والتمردات المتكررة عليه تاركا لمن خلفه إمارة قوية تحولت مع إعلان عبد الرحمن الناصر لدين الله نفسه خليفة قرطبة إلى الخلافة الأموية عام 929م، والتي أصبحت مركز الإشعاع الحضاري في أوروبا، ثم تعاقب على حكهما خلفاء زادوا من ازدهارها ومن مكانتها العلمية في ذلك العصر، إلى أن دخلت الخلافة تحت وصاية "صبح البشكنجية" في عهد ولدها الصغير "هشام المؤيد بالله بن الحكم المستنصر بالله".
بعدها، استأثر أحد رجال البلاط، وهو المنصور بن أبي عامر بالسلطة، ولم يكن هذا الرجل أقل شأنا من خلفاء بن أمية من الناحية الإدارية والسياسية، بل إنه تخطى الكثير منهم من الناحية العسكرية، حيث خاض أكثر من خمسين معركة لم يخسر في أية واحدة منها! وسيطر على أراض جديدة، وبعد أن داهمته المنية لم يحظ أبناؤه بالاحترام الذي كان يكنه الناس لبني أمية فضاعت الخلافة، وتصارع الأمراء الأمويون فيما بينهم، بالإضافة إلى صراعهم مع "البربر" و"بني حمود العلويين".
ثم قسمت البلاد إلى دويلات، وتنازعها رجال أسسوا لأنفسهم دويلات عرفت فيما بعد بـ "دويلات الطوائف"، متناحرة متنافرة فيما بينها، ومتحالفة مع العدو الذي اتفق مع ثورهم الأسود ليتفرد بأكل الأبيض، وبدأ يلتهم ممالك الأندلس الواحدة تلو الأخرى، إلى أن جاء دور ملوك إشبيلية وقرطبة وعلى رأسهم "المعتمد بن عباد" الذي حاول درء الخطر المستفحل ما أمكن إلى أن بلغ السيل الزبى، فقرر أن يستنجد برجال كأولئك الذين كانوا سببا في انتصار العباسيين قبل قرون.
أصبح النصر في معركة "الزلاقة" مع نصر "ملاذ كرد" 1071 م أحد أسباب الحروب الصليبية على المشرق والأراضي المقدسة، بعد أن خاف البابا من إطباق الهلال على القارة العجوز. |
ورغم نصيحة من جاوره من ملوك الطوائف، ومن كان بين يديه من مستشاريه وأولاده بألاّ يستدعي "يوسف بن تاشفين" ورجاله "المرابطين" خوفا من استيلائهم على الأندلس قائلين له: "الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد". إلا أنه لم ينصت إليهم، وأجابهم بعبارته التي دخل بها التاريخ من أوسع أبوابه "رعي الجمال خير من رعي الخنازير"، وجعلها مثلا يضرب من بعده.
فما لبث أن عبر يوسف بن تاشفين البحر بجنوده، والتقى بالمعتمد بن عباد، وخاضا معا معركة "الزلاقة" 1086م ضد الجيوش الصليبية التي أبلى فيها المعتمد بلاء حسنا، وكان سببا في النصر الذي دق نواقيس الخطر في أوروبا، ولاسيما في عاصمتها الدينية البابوية، وأصبح مع نصر "ملاذ كرد" 1071 م في المشرق أحد أسباب الحروب الصليبية على المشرق والأراضي المقدسة، بعد أن خاف البابا من إطباق الهلال على القارة العجوز.
استنجد المعتمد بن عباد أكثر من مرة بيوسف بن تاشفين بعد معركة الزلاقة، إلى أن قرر الأخير الاستيلاء على الأندلس، ونفى المعتمد إلى أغمات في المغرب ليرعى الإبل التي فضلها في تلك الصحاري كبطل أراد درء العدو الذي التهم فيما بعد كل الأندلس، وتجاوز البحر ليحتل أجزاء من المغرب، ومازالت حروبه مستمرة علينا، وإن اختلفت أدواتها، وطرقها، ومسمياتها، ومازال الصراع قائما بيننا، وإن اختلفت مراحله التي نعيش أسوأها الآن، فلا إبل ترعى، ولا أهل نستجير بهم، وأصبحنا غرباء في بلادنا، وبين أهلينا، بل إن خنازيرهم فرضت علينا! فكم كنت محظوظا أيها المعتمد!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.