هدف مبكر أعطاك دفعة معنوية لتحقيق المستحيل، وزادت الصعاب مع مرور الوقت، ثم زاد القلق، وانخفضت المعنويات، وبدأت في التفكير في السيناريوهات السلبية، لكن هدفا آخر تحقق قبل نصف المشوار منحك دفعة نشاط أخرى، زادت رغبتك في تحقيق الهدف المنشود. ثم هدف ثالث، فكبرت الآمال، بل أصبح الحلم أقرب للحقيقة منه إلى الخيال، ثم جاءت الصدمة بضربة خفية وضعتك في موقف لا تحسد عليه، حيث بدأت تختفي الطريق أمامك من شدة الظلام لتنهار معها الآمال بتحقيق مستقبل مشرق، ورغبتك في تغيير الواقع اصطدمت بجداره المتين.
الثورة المصرية تعيش الآن فترة تشبه فترة ما بعد هدف باريس سان جيرمان في ملعب كامب نو، فقدان أمل وانتظار للموت، وهي هنا تحتاج ذلك الرجل الذي سيقف أمام الجميع وسيقول: "لا تموتوا! لم ينتهي الأمر بعد، سننتصر! |
اقتربت النهاية ولم يعد في أعين الناس مكان للأمل، فشحبت الوجوه، وتغيرت الملامح، وبدا أن لا شيء قادر على تغيير ما جرى، لكن ضوء خافت للأمل، نبع، بهدف رابع في اللحظات الأخيرة، ثم تبعه خامس بقليل، وارتفعت المعنويات لأن المستحيل لم يعد مستحيلا، بل أصبح قريبا مرة أخرى، والوصول إليه يحتاج فقط تلك الدفعة الأخيرة من الطاقة التي لم تعد تمتلك منها شيئا، لكنك إن أيقنت بقدراتك على تغيير مصيرك فستفعل.. وكان لك ذلك بهدف أخير، منحك فرحة العمر وحقق لك رغبة التغيير، و يا لها من فرحة!
ما تعيشه القاهرة، هو ما حدث بعد هدف فريق برشلونة الثالث، وهدف فريق باريس سان جيرمان الوحيد، تلك الفترة التي انهارت فيها المعنويات وبدا أن التغيير لم يعد ممكنا، بل أصبح مستحيلا. لكن الأمر ليس كذلك، إنه فقط يبدو بعيدا جدا لدرجة لا نتخيل أن بإمكاننا تحقيقه، لكنه ممكن، ولا شيء في الحياة يأتي بسهولة، وإن كانت الخسارة هي الخسارة، فلماذا لا أخسر وأنا في طريقي للنجاح بدل الجلوس منتظرا النهاية؟
الثورة المصرية بدأت برغبة في التغيير، ثم اقتربت من تحقيق ما سعت إليه، ثم ظن الجميع أنهم نجحوا بعد أن اقتربوا أكثر من تحقيق الهدف، ثم جاءت صدمة الانقلاب، فساد الظلام في طريق التغيير، ولم يعد هناك مكان للأمل، لكن لا شيء انتهى بعد، فالحياة تعلمك كل يوم أن ما نعرفه مستحيلا ليس سوى هدف لم نصل إليه بعد، والحقيقة أن رغبات التغيير في أي مجال تصطدم دائما برغبات عدم التغيير التي يقودها المستفيدون من الوضع القائم، ولتحقيق هدفك، عليك أن تقاوم التيار وتصبر وتثابر، لأنها الحياة، لا شيء فيها يأتي بسهولة.
الثورة المصرية تعيش الآن فترة تشبه فترة ما بعد هدف باريس سان جيرمان في ملعب كامب نو، فقدان أمل وانتظار للموت، وهي هنا تحتاج ذلك الرجل الذي سيقف أمام الجميع وسيقول: "لا تموتوا! لم ينتهي الأمر بعد، سننتصر! سننتصر! سننتصر!" كما فعل الألماني تيرشتيغن حارس مرمى برشلونة، دفع زملاءه ورفاق دربه للتقدم من جديد، فاستحث الرغبة لديهم في التغيير من جديد إلى أن حققوا المراد ورسموا صورة كروية للتاريخ لم يكن واردا أبدا تحقيقها.. لكنهم فعلوا!
الأمر ليس مستحيلا أيتها القاهرة! عليك فقط أن تثابري، فهي الحياة، لا شيء فيها يأتي بسهولة!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.