شعار قسم مدونات

لماذا يستمر مرض السل؟

Jose Luis, 20, worked in a print shop before being diagnosed with tuberculosis six months ago, seen at his home in Carabayllo in Lima, Peru July 14, 2016. REUTERS/Mariana Bazo SEARCH "TB HOPE" FOR THIS STORY. SEARCH "THE WIDER IMAGE" FOR ALL STORIES.

إن من المفاجئ للعديد من الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية أن السل ما يزال واحد من الآفات الكبيرة في التاريخ الإنساني فواحد من كل ثلاثة أشخاص في العالم مصابون بالسل الكامن أو السل ما قبل المرحلة السريرية والعلماء يتوقعون أن 10% منهم سوف يعانون من المرض عندما تتأثر أجهزتهم المناعية سلبا مع تقدم العمر والإصابة بالأمراض الأخرى وفي سنة 2015 تم الكشف عن عشر ملايين حالة جديدة من السل وحوالي مليوني شخص تقريبا ماتوا بسبب المرض.
 

إن هناك ثلاثة أسباب لاستمرارية مرض السل: إن القادة السياسيين لا يفهمون العوامل الاجتماعية المرتبطة بذلك المرض والعلماء يفتقدون لنموذج فعال لمكافحته ولم يعد الأغنياء والمشاهير يموتون بسبب هذا المرض. لقد كان السل يؤثر في الماضي على جميع اطياف المجتمع ولكنه اليوم يصيب الناس الأكثر ضعفا وهذا يجعله شعارا مثاليا للفنانين والناشطين الذين يركزون على العدالة الاجتماعية. إن السبب وراء تصاعد معدلات الإصابة بالسل المقاوم للأدوية هو أن أنظمة الرعاية الصحية في البلدان الفقيرة تفتقد للموارد من أجل الكشف عن مرض السل ومساعدة المرضى على التقيد بعلاجاتهم.
 

السجون والأحياء الفقيرة تشكل تربة خصبة لمرض السل والنساء الشابات اللواتي يعشن على هامش المجتمع يمكن أن يصبن أطفالهن بالمرض.

إن هناك ستة بلدان -الهند وإندونيسيا والصين ونيجيريا والباكستان وجنوب أفريقيا- يوجد فيها 60% من جميع حالات السل المسجلة. إن من الممكن أن روسيا تتعمد التقليل من حالات السل لديها وبعض الدول الأفريقية لا تعرف عدد المصابين لديها. لقد فشل القادة السياسيون في فهم العوامل الاجتماعية المرتبطة بالسل فعلى سبيل المثال فإن انتشار المرض عادة لا يزيد بعد الكوارث الطبيعية ولكن بعد الزلزال الذي أصاب هايتي سنة 2010 زاد انتشار المرض وهذا يعود جزئيا إلى سياسات الأمم المتحدة ودائرة المساعدات الأمريكية فلقد كانت مخيمات اللاجئين مكتظة وكان الصرف الصحي سيئا والأطفال كانوا يعانون من سوء التغذية المزمنة والحوافز المالية تسببت في جعل العديدين يمددون من إقامتهم فيها.

إن السل يصيب العديد من الناس الذين لا ينتخبون مثل اللاجئين والسجناء والمعدمين. إن السجون والأحياء الفقيرة تشكل تربة خصبة لمرض السل والنساء الشابات اللواتي يعشن على هامش المجتمع يمكن أن يصبن أطفالهن بالمرض. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الأمهات المصابات بالسل "مرتبطات بزيادة معدلات الوفيات في فترة الولادة بمقدار ستة أضعاف".
 

لقد عملت الأم تيريزا لعقود مع ضحايا مرض السل في الأحياء الفقيرة في كالكتا ولاحظت "أن أكبر مرض اليوم هو ليس الجذام أو السل بل الشعور بأنه لا أحد يهتم بك". إن التمييز والعار والعزل هي ليست فقط من الخصائص الخبيثة للمجتمعات الضعيفة ولكنها كذلك تعزز الظروف التي تسهل الإصابة بالسل وتزيد من معدل انتشاره.
 

إن مؤسسة الشركاء في الصحة والتي تدير عيادات لمرضى السل في أمريكيا الجنوبية ومنطقة الكاربيبي وأفريقيا قد تكون من بين المؤسسات التي أصابت كبد الحقيقة في مقاربتها للمرض. لقد أخبرني بيتر دروباك الذي أدار برامج المؤسسة أن مؤسسة شركاء في الصحة تدرب الناس في القرى الصغيرة على التعرف على المرض مبكرا وعلى إعطاء المرضى العلاجات اللازمة بشكل صحيح بالإضافة لبناء أنظمة السياسات التي تركز على القيم الكامنة المتعلقة بتقرير المصير والبعد الإنساني والتي تقوي أي مجتمع.
 

مرض السل هو عادة ما ينظر إليه على أنه مرض "العالم الثالث" أو مرض الفقراء. إن بعض من أكثر شركات الأدوية قوة وربحية في العالم استرازينكا وبفايزر قد تجاهلوا هذا "السوق".

إن الابتكار عادة ما يأتي من إدخال رؤى وأدوات من مجال آخر وربما يتصرف السل مثل السرطان أكثر من الأمراض المعدية الأخرى. لقد أخبرني داريل درموند -نائب رئيس شركة ميرماك للإدوية وأحد المبتكرين للعلاج الثانوي الوحيد لسرطان البنكرياس المعتمد من إدارة الأدوية الفيدرالية الأمريكية- أن الإصابات التي تحدث بالرئة بسبب الإصابة بالسل "تشبه إلى حد كبير الأورام الصلبة "وفي واقع الأمر أوضح داريل" أن سل الورم الحبيبي لديه العديد من الخصائص المرضية للسرطان: نقص الأكسجة، نواة نخرية، والكولاجين الليفي في الحافة الخارجية، وتطوير شبكة الشعيرات الدموية المحيطة به، ووجود الخلايا البلعمية".
 

لو كان كلام داريل درموند صحيحا فإن أولئك المنخرطين في القتال ضد السل قد يبحثون عن وسائل في مجالات الطب الأخرى من أجل تقصير مدة العلاج وتخفيض مرات إعطاء الجرعات وتقليل الأعراض الجانبية وتخفيض التكاليف وتحسين التقيد بالعلاج في الوقت نفسه. لقد أضاف درموند: "نحن نجد وسائل من أجل تحقيق هذه الأشياء في علم الأورام".

للأسف فإن الابتكار التجاري كان بطيئا في الاستجابة لمرض السل وكما أشار رئيس البنك الدولي وأحد المؤسسين لمؤسسة شركاء في الصحة جيم يونغ كيم "لو نظرت للأمراض القاتلة الرئيسية الثلاثة -نقص المناعة المكتسبة والسل والملاريا- فإن المرض الوحيد الذي لدينا لمعالجته أدوية جيده جدا هو نقص المناعة المكتسبة. إن السبب بسيط وهو أن هناك سوق في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا".
 

على النقيض من ذلك فإن مرض السل هو عادة ما ينظر إليه على أنه مرض "العالم الثالث" أو مرض الفقراء. إن بعض من أكثر شركات الأدوية قوة وربحية في العالم استرازينكا وبفايزر قد تجاهلوا هذا "السوق".
 

توني فاوسي مدير المعهد الوطني الأمريكي لإمراض الحساسية والأمراض المعدية والذي ساعد منذ سنة 1984 في قيادة جهود عالمية ناجحة ضد مرض نقص المناعة المكتسبة وزيكا لديه نظرة مختلفة "يجب علينا جميعا أن نزيد اهتمامنا بما يجري حولنا في العالم بين الناس الذين لا يتمتعون بالميزات التي نتمتع بها ". يجب على الأمريكيين الشماليين والأوروبيين أن يتخلوا عن الهوس بالربح التجاري والنظر لمرض السل كتحدي للإنسانية جمعاء.
 

كم من الأربعمائة ألف طفل الذين يموتون من السل كل سنة قد يكبرون ويحاربون من أجل العدالة الاجتماعية وذلك من خلال الفن والنشاط السياسي والتجارة ويلهمون بقيتنا لعمل الشيء نفسه؟

لقد شكل مرض السل تحديا لبعض من أعظم الفنانين والنشطاء على مر التاريخ. لقد حارب هنري ديفيد ثوريو وايلنور روزفليت وجورج أرويل وفرانز كافكا ولويس برايل والاس ثرمان وسيمون بوليفار ضد التهميش والعزل والظلم ولكن جميعهم ماتوا بعد إصابتهم بمرض السل. لقد أصيب نلسون مانديلا بالسل بعد أن أمضى 27 سنة في سجن شديد الرطوبة ولقد تم سحب لترين من السوائل من صدره ولقد أمضى فترة نقاهة في مستشفى لم تعالج مريضا أسودا من قبل.

لو مثل تلك الشخصيات البارزة أصيبت بالسل اليوم فكم من الوقت ستحتاج حكوماتنا ومؤسساتنا لإيجاد علاج؟ كم من الأربعمائة ألف طفل الذين يموتون من السل كل سنة قد يكبرون ويحاربون من أجل العدالة الاجتماعية وذلك من خلال الفن والنشاط السياسي والتجارة ويلهمون بقيتنا لعمل الشيء نفسه؟
 

____________________________________
المصدر: بروجيكت سنديكيت، 2017. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.