شعار قسم مدونات

مصريون يشجّعون الكاميرون

Egyptians watch the final match of the 2017 African Nations Cup, taking place in Gabon, between their national team and Cameroon, at a cafe in the capital Cairo, Egypt, February 5, 2017. REUTERS / Mohamed Abd El Ghany
جاءت مباراة نهائي كأس أمم إفريقيا بين مصر والكاميرون لتوسع نطاق الشرخ المجتمعي الذي أحدثته ثورة يناير وعمل نظام السيسي على زيادة حجمه وعمقه. عدد كبير من المصريين من معارضي النظام الحاكم في مصر لم يخفوا تشجيعهم لمنتخب الكاميرون، حتى أنهم لم يحاولوا إخفاء ذلك الأمر بل أظهروه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهروا تلك الفرحة بشدة عند انتصار الكاميرون على مصر، وكان تبريرهم لذلك أن النظام المصري كان سيستغل ذلك الانتصار إذا تحقق للترويج لنفسه ورأس سلطته، وكأن السيسي هو من انتصر وليست مصر.
 

وحتى نكون منصفين لو كان النصر من نصيب المنتخب المصري -وهذا ما لم يحدث للأسف- لاستغلت الأذرع الإعلامية للنظام ذلك النصر أشد استغلال، ولعاد شعار مبارك |منتخب مصر كويس زي ما قال الريس" على الساحة من جديد ولكن مع رئيس جديد بنظام مبارك القديم، ومن الأكيد أن نجمي منتخب مصر الأكثر نجومية و ظهورًا طوال المباريات "محمد صلاح"، و"عصام الحضري" -وهما الأكثر قربًا للنظام الحاكم والأشد تأييدًا له- كان الاثنان سيوجهان عظيم الشكر وجزيل التهاني للرئيس المبجل على طريقة عادل إمام في مرجان أحمد مرجان "ونشكر السيد الرئيس راعي الرياضة في مصر".
 

هل كان ذلك الانتصار لو تم سيخفي الحقائق وما نعيشه في ذلك الوطن البائس؟ وهل منعت الانتصارات المتتالية والكؤوس والبطولات التي تحققت في سنوات مبارك من قيام الثورة والإطاحة به؟

ولكن هل كل ذلك كافٍ لنشجع خصومنا ضد أوطاننا؟!
لن أكون مثل إعلام النظام وأتهم هؤلاء بالخيانة والعمالة، فما يجتمع في نفوس من فقدوا أحبتهم في ذكرى يناير التي حلت يوم مباراة مصر وغانا، والأربعة والسبعون الذين حلت ذكرى رحيلهم في بورسعيد منذ خمس سنوات في يوم لقاء مصر مع منتخب بوركينا فاسو، وآخرون معتقلون وقتلى طوال تلك السنوات الستة منذ اندلاع الثورة.
 

ولكن هل ينتظر مشجعو الكاميرون المصريون خسارة مباراة تم إعدادها وإقرار تاريخها بصورة دورية عالمية -بغض النظر عمن يحكم مصر-؟ هل ينتظر هؤلاء خسارة تلك المباراة للتأكيد على فشل نظام السيسي الذي لا يختلف اثنان على فشله وانهياره؟ ألا يكفي حال مصر الظاهر للعيان ليؤكد على ذلك؟ ألا يكفي سعر الصرف، ونقص الدواء، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهروب المستثمرين، وانهيار مرافق الدولة للتأكيد على شؤم وفشل ذلك النظام؟
 

وهل لو كان مرسي أو مبارك أو غيرهم من يحكم مصر كنتم ستتمنون فشل مصر وخسارتها للمباراة؟ وكيف ستكون حالتك وأي شتائم وسباب ولعن كنت ستوجهها لمن يتمنى خسارة المنتخب؟ وأي إضافة كانت ستلحق بذلك النظام القائم؟ وهل كان ذلك الانتصار لو تم سيخفي الحقائق وما نعيشه في ذلك الوطن البائس؟ وهل منعت الانتصارات المتتالية والكؤوس والبطولات التي تحققت في سنوات مبارك من قيام الثورة والإطاحة به؟
 

وهل تعتقد أن حجم الانتصار المحقق من فرحتك وشماتتك في هزيمة منتخب مصر يخدم قضيتك التي تتبناها؟ هل تعتقد أن نظرة شماتتك الظاهرة تُقارن بحجم الهزيمة التي ستلحق بك وبقضيتك في أعين هؤلاء البسطاء الجوعى الذين كانت تتوق أنفسهم لحدثٍ بسيطٍ يغير نمط حياتهم الرتيب ويشعرهم بالفرحة، ويجد لهم موضوعًا جديدًا ليتكلموا فيه متناسين آلام حياتهم وأوجاعهم، متناسين ذل طابور الخبز وثمن كيلو السكر وزجاجة الزيت، متغافلين عن غلاء المعيشة وضيق ذات اليد وحياة لا يعرفون كيف يعيشونها؟
 

ما قيمة تلك الفرحة العابرة أمام كمٍّ هائلٍ من الأحزان والآلام حتى تتمنوا ضياعها وتزايدوا على من يتمنى فوز فريقه؟ تزايدون على من يتمنى أن يبيت ليلته فرحًا وكأنكم أكثر وطنية؟! انتهت المباراة، وانتهت بخسارة أمور أحطّها كأس لدينا منه سبعة آخرون، ولكننا خسرنا الكثير والكثير، وتكشفت حالة جديدة لدى المصريين، وازددنا انقسامًا على انقسام، وكأن ذكرى يناير تأبى أن تمر بلا انقسامٍ جديدٍ وآلامٍ جديدةٍ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.