وفجأةً في إحدى اللحظات الخاطفةِ نستسلم لقطار الحياةِ السريعِ فتأخذنا مشاغلنا بعيدا عنهم، وتجبرنا أنانيتنا وما وضعناهُ لأنفسنا من أولوياتٍ على أن نخطّ لحياتنا مساراً مغايراً، فلا نكاد ندركُ شيئا حتى نجد أنفسنا قد انجرفنا في مادية الحياة وشهواتها وقد أنسانا الزمن أحبابنا وأصدقاءنا. فتخطفنا الحياة فجأة لتخبرنا بأن الله أخذ أمانته وانتقلت الروح إلى بارئها، ويجعلنا الموت في صراع رهيب مع ذواتنا ودواخلنا.
الخوف من الموت غريزة حية لا معابة فيها، وإنما العيب أن يتغلب هذا الخوف علينا. سندرك في يوم من الأيام أن الحياة بحرٌ من الذكريات يصبّ في بحر النسيان، أما الموت فهو الحقيقة الراسخة. |
لا ندري أنحزن لموت الحبيب وفراقه أم لضعفنا وعجز قوتنا، ولا نعلم أنندم لسنوات أضعناها بعيدا عنهم ومشاغل حرمتنا أنسهم ومجلسهم، أم نبكي لفراقهم وانقطاع لقياهم. إن الموت فرصة مناسبة لطرح الأسئلة، أسئلة حول وجودنا والهدف منه وبخصوص ما قدمنا في دنيانا لآخرتنا. الخوف من الموت غريزة حية لا معابة فيها، وإنما العيب أن يتغلب هذا الخوف علينا ولا نتغلب عليهِ. سندرك في يوم من الأيام أن الحياة بحرٌ من الذكريات يصبّ في بحر النسيان، أما الموت فهو الحقيقة الراسخة.
و كلما أجبنا عن سؤال تنهال علينا أسئلة أخرى من حيث لا ندري ولا نحتسبُ، وبعد كل هذا الشد والشذب تدرك أن العبرة في الحياة ليست بما تشاهده العين من وجوه، ولكن ما يستقر في النفسِ من أثرٍ، قيمتنا فيما ننتجه، وفي البصمة التي نتركها بعد وفاتنا، فكم من الناس ألهموا العالم وغيروا مجرى البشرية بوجودهم، وكم من نفس عاشت وماتت دون أن تترك أي تغييرٍ يذكر! فاختر أنتَ من تكون.
نعم ! فراق الأحباب مؤلم، لكن نحتمله ونتحلى بالصبر حين نعلم أنه سيُتبَع بعد أشهر أو سنوات بلقاءٍ. الأكثر إيلاماً ووجعاً هو الفراق الأخيرُ، عندما نشعر بالفراغ بدواخلنا بعد النظرة الأخيرة، وبالألم المزمن بعد الوداعِ، فكلما تعودت النفوسُ على أشخاصٍ وكلما تخالطت الأفراح والأحزان يكون الفراق صعباً وقاتلاً، ولكن عندما نفكر قليلا نجد أن هذه سنة الحياة وقانونا أزلياً في الكون، مهما هربنا وتهربنا من الواقع فإننا ندرك أننا سنفقد آباءنا وإخواننا وأحبابنا في يومٍ من الأيام، لنستيقظ أمام الواقع المرير الذي تفرضه الحياة علينا.
وقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين في نص الحديث الشريف حين قال: "يا محمد أحبب من شئت؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئت؛ فإنك مجزي به، وعش ما شئت؛ فإنك ميت، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناسِ".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.