شعار قسم مدونات

كلمة تمنع إدمان الأطفال

blogs - التربية

يجر وصلات لعبته، ممسكاً بيديه الصغيرتين وحدة التحكم وألعاب الفيديو وسماعات "الهيدفون" الخاصة به، يلقي التحية على أبويه المتسمرين أمام شاشة التلفزيون في صالة الجلوس، يدخل غرفته. دقائق تمر، صيحات تتوالى، حماس منقطع النظير.

يتواصل حيناً مع أصدقائه، وحيناً مع أشخاص تعرف عليهم عبر الشبكة، ساعات تلو ساعات وهو ينتقل من عالم إلى آخر، من مغامرة إلى أخرى، منعزلاً عن أفراد عائلته الصغيرة، التي تتلمس لحظات السعادة اللحظية التي يعيشها، وعندما يحاولون إيقافه يمانع ويرفض بشدة، ومع الإصرار أحياناً يغلق جهازه ويعبر ببراءة عن رغبته في الانتقام فيفرغ طاقاته في كل شيء أمامه، أملاً في السماح له بالعودة إلى اللعب مجدداً.
 

أحداث يومية نعايشها مع أطفالنا الذين أصبحوا -بسبب إهمالنا لهم وانشغالنا عنهم وعدم حرصنا على استثمار أوقاتهم- فريسة سهلة للتقنيات الحديثة والأجهزة الإلكترونية التي تأخذهم إلى عوالم افتراضية جديدة غير معروفة، يتعاملون خلالها مع أشخاص مجهولين لا نعرف انتماءاتهم وتوجهاتهم الفكرية.
 

رغم التحذيرات التي تبثها الدراسات والمختصون بشأن التأثير السلبي لتلك الأجهزة والألعاب على عقول الأطفال، إلا أن المقبلين عليها في ازدياد والإشكاليات التي تؤثر على سلوكياتهم باتت ملموسة.

كوارث يومية نرتكبها بحق أطفالنا؛ لعدم قدرتنا على النطق بكلمة "لا"، فخوفنا على جرح مشاعرهم يدفعنا للزج بهم إلى عوالم مجهولة تدمر شيئاً فشيئاً عقولهم وأخلاقهم، تجعلهم مشتتي الانتباه غير قادرين على التواصل مع من حولهم، يهربون دوماً من واقعهم، يرسمون في مخيلاتهم وقائع افتراضية تجعلهم أسرى لهذه الأجهزة لا يتنفسون إلا من خلالها، وعندما يعودون إلى واقعهم الحقيقي يتأففون دوماً بحجة أن لا شيء يشغلهم وأن حياتهم الطبيعية مملة جداً، وكأنهم غير قادرين على تحملها إلا في حضرة تلك الأجهزة الذكية وألعابها الإلكترونية.
 

ورغم التحذيرات التي تبثها الدراسات الأكاديمية والمختصون الاجتماعيون والنفسيون بشأن التأثير السلبي لتلك الأجهزة والألعاب على عقول الأطفال، إلا أن المقبلين عليها في ازدياد والإشكاليات التي تؤثر على سلوكياتهم باتت ملموسة، فلا يكاد يخلو بيت من وجود طفل مدمن على تلك الأجهزة وأسرته تعاني جراء تراجع طريقة تفكيره ونظرته للأمور الحياتية وتحصيله العلمي المتدني. وتزداد الأمور سوءاً في ظل غياب الرقابة الأسرية وإهمال الأبوين وترك أطفالهم لساعات طويلة أمام تلك الأجهزة ما يعزز عزلتهم عن الواقع الحقيقي، ويجعلهم هدفاً سهلاً للمتربصين بهم ليزرعوا أفكارهم المنحرفة في عقولهم.
 

ما يجب التنبيه عليه، هو عدم منح الأطفال الثقة المفرطة والصلاحية التامة للهو، والحرص على تقنين عملية الاستخدام حتى لا يصل الطفل إلى مرحلة الإدمان، إذ ثبت علمياً أن المستويات المنخفضة للعب -أقل من ساعة في اليوم- تعزز السلوك الجيد وتخفض مستويات النشاط المفرط، مع التأكيد على ضرورة اختيار ما يناسب أعمارهم. كما أن على الأسر الاهتمام بشكل أكبر بتعزيز المهارات الحياتية لأطفالهم والتواصل والتخاطب على نحو طبيعي مع أقرانهم بعيداً عن تلك التقنيات التي تسلب وقتهم وفكرهم وصحتهم، وفوق هذا تسلبهم منا، فلا هم عاشوا طفولتهم، ولا هم شاركونا أجمل لحظاتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.