كل ما تقوم به إيران من لحظة وصول ترمب للرئاسة وبدأ إدارته بإرسال التهديدات لنظام طهران، يدل على تخبط هذا النظام وارتباكه أمام جدية إدارة ترمب في التعامل مع الملفات الإيرانية، فأول رد فعل لروحاني بعد أن صُنفت إيران ضمن الدول الممنوعة من السفر لأميركا، كان رداً رقيقاً لا يشبه خطاب ملالي طهران عادةً، إذ قإسرائيلال عبر حسابه على تويتر "دعونا نقرّب بين الثقافات المختلفة بدلاً من أن نبني الجدران بين الدول، ولا ننسى ما حصل لجدار برلين"..
سرعان ما تلقى الرئيس الإصلاحي روحاني الانتقادات اللاذعة من متشددي نظام طهران، حيث انتقده عزة الله زرغامي، وهو أحد الرموز المتشددة في نظام الملالي، ومرشح محتمل لمنافسة روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الربيع القادم، حيث رد زرغامي على تصريح روحاني التصالحي حول منع الإيرانيين من دخول الولايات المتحدة "يجب أن نرد على ترمب كما نرد على منتقدينا عادةً".. وصول ترمب إلى الرئاسة هدم كل ما كان حوله وصول الإصلاحي روحاني للرئاسة، حيث كان يهدف روحاني الرئيس بشكل أساسي إلى رفع العزلة الخانقة التي كانت تعاني منها إيران منذ وصول نظام الملالي للسلطة في طهران.
إسرائيل حين تضرب النظام وميليشيات إيران، إنما هي تضربهم لتذكرهم بموقعهم وتسيطر على قدراتهم وتهينهم أمام جمهورهم وليس لتدرأ مخاطرهم التي تعلم جيداً أنها لن توجه ضدهم في هذه المرحلة. |
لم يدم الانفتاح الذي لاقته إيران في عصر أوباما من بعض الدول الأوروبية إلا بضعة أشهر ليعود الجمهوريون بشخوص متطرفة ضد إيران إلى البيت الأبيض، الخطوة التالية التي اتخذها روحاني في إطار إصراره على انتشال إيران من عزلتها كانت زيارته الأخيرة إلى دولة الكويت حيث ترددت الأخبار عن تنازل إيران في اليمن لقوى التحالف العربي إذ شهدت الكويت في الأيام الماضية وعود من طهران بالتخلي عن ميليشيا الحوثي ودعمها في اليمن. روسيا التي اعتمدت على ميليشيات إيران كمدخل لها إلى المنطقة، والتي كانت قد ارتاحت لوصول الرئيس ترمب للبيت الأبيض متخبطة اليوم في ظل الحرب التي تشنها أجهزة الاستخبارات الأميركية على أي نفوذ روسي داخل مفاصل الإدارة الجديدة.
إذاً روسيا وعلاقتها المستقبلية مع ترمب ليست بأفضل حال، وإن كانت روسيا قادرة على النجاة بنفسها والحصول على علاقات ممتازة مع الإدارة الجديدة، فلا بد من أنها ستفشل بالاحتفاظ بحلفائها السابقين وخاصة الإيرانيين إذا كانت تبغي ود إدارة الصقور الكارهة لنظام طهران، دول كثيرة على رأسها إسرائيل تحرّض إدارة ترمب اليوم ضد ايران، وحين نقول أن إسرائيل تحرض ضد إيران لا يعني هذا قراءة الأمور بسطحيتها، وكأن إسرائيل تخشى فعلاً هجوماً إيرانياَ على أراضيها ولكن لا يعني هذا أيضاً أن أسطورة الصداقة بين إسرائيل وإيران صحيحة، فالقبة الحديدية والدروع الواقية التي تبنيها إسرائيل حول أراضيها تشي بمدى خوف الحكومة الإسرائيلية من وجودها في وسط معادي لها، ما يجعل إسرائيل ترغب بسحق من يعاديها حتى لو كانت واثقة من أن عدائه كلامي فقط ولن يرقى إلى مرحلة الفعل يوماً.
والدليل على هذا القصف الإسرائيلي الذي طال، قوات النظام وحزب الله أكثر من مرة في الأراضي السورية فيما لم تتعرض طائرة واحدة عربية أو غربية أو موزمبيقية لأساطيل الأسد الجوية أو البرية! إسرائيل حين تضرب النظام وميليشيات إيران، إنما هي تضربهم لتذكرهم بموقعهم وتسيطر على قدراتهم وتهينهم أمام جمهورهم وليس لتدرأ مخاطرهم التي تعلم جيداً أنها لن توجه ضدهم في هذه المرحلة، التي يعتبر فيها نظام الجمهورية الاسلامية وميليشياتها وجمهورها أن العرب السنة هم أعدائها الوجوديين.
إلا أن سعي إيران لتطوير مفاعلها النووي هاجس يبقى يخيف إسرائيل التي لا تحب أن ترى أي خطر يهددها حتى لو كان هذا الخطر جزء من الواحد بالمئة.. تذبذب خطاب نظام الملالي تجاه الضغوطات الأخيرة عليه وتنازله في اليمن، مقدمة لتحجيم أكبر سيواجهه نظام الملالي في المستقبل مع وجود المتشددين في البيت الأبيض، أما طي صفحة روحاني ووصول متشدد إيراني إلى الحكم في طهران فقد يقطع شعرة معاوية بين إيران والعالم والتي يحاول روحاني اليوم جاهداً للحفاظ عليها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.